تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليست أمة مستمسكة بالتوحيد إلا أتباع الرسل، قال الله سبحانه:) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذَِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقيِمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرُّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ (، فأخبر الله أن دينه الذي يدعو إليه المرسلون كَبُرَ على المشركين، فما الناس إلا تابع لهم أو مشرك، وهذا حق لا ريب فيه؛ فعلم أن سب الرسل والطعن فيهم ينبوع جميع أنواع الكفر، وجماع جميع الضلالات، وكل كفر ففرع منه، كما أن تصديق الرسل أصل جميع شعب الإيمان، وجماع مجموع أسباب الهدى.

الوجه الخامس: أن نقول: قد ثبت بالسنة ثبوتاً لا يمكن دفعه أن النبي e كان يأمر بقتل من سبه، وكان المسلمون يحرضون على ذلك مع الإمساك عمن هو مثل هذا الساب في الشرك أو هو أسوأ منه من محارب أو معاهد؛ فلو كانت هذه الحجة مقبولة لتوجه أن يقال: إذا أمسكوا عن الشرك فالإمساك عن الساب أولى، إذا عوهد الذمي على كفره فمعاهدته على السب أولى، وهذا لو قبل معارضة لسنة رسول الله e، وكل قياس عارض السنة فهو رد.

الوجه السادس: أن يقال: ما هم عليه من الشرك وإن كان سباً لله فهم لا يعتقدونه سباً وإنما يعتقدون تمجيداً وتقديساً، فليسوا/ قاصدين به قصد السب والاستهانة، بخلاف سب الرسول e؛ فلا يلزم من إقرارهم على شيء لا يقصدون به الاستخفاف إقرارهم على ما يقصدون به الاستخفاف، وهذا جواب من يقتلهم إذا أظهروا سب الرسول، و لا يقتلهم إذا أظهروا ما يعتقدونه من دينهم.

الوجه السابع: أن إظهار سب الرسول e طعن في دين المسلمين، وإضرار بهم، ومجرد التكلم بدينهم ليس فيه إضرار بالمسلمين؛ فصار إظهار سب الرسول بمنزلة المحاربة، يعاقَبون عليها، وإن كانت دون الشرك، وهذا أيضاً جواب هذا القائل.

الوجه الثامن: منع الحكم في الأصل المقيس عليه، فإنا نقول: متى أظهروا كفرهم، وأعلنوا به، نقضوا العهد، بخلاف مجرد رفع الصوت بكتابهم؛ فإنه ليس كل ما فيه كفر، ولَسْنا نفقه ما يقولون، وإنما فيه إظهار شعار الكفر، وفرق بين إظهار الكفر وبين إظهار شعار الكفر.

أو نقول: متى أظهروا الكفر الذي هو طعن في دين الله نقضوا به العهد، بخلاف كفرٍ لا يطعنون به في ديننا، وهذا لأن العهد إنما اقتضى أن يقولوا ويفعلوا بينهم ما شاؤوا مما لا يضر المسلمين، فأما أن يظهروا كلمة الكفر أو أن يؤذوا المسلمين فلم يعاهدوا عليه البتة، وسيأتي إن شاء الله الكلام على هذين القولين واللذين قبلهما.

قال كثير من فقهاء الحديث وأهل المدينة من أصحابنا وغيرهم: لم نقرهم على أن يظهروا شيئاً من ذلك، ومتى أظهروا شيئاً من ذلك نقضوا العهد.

قال أبو عبدالله في رواية حنبل: كل من ذكر شيئاً يعرِّض بِذِكْرِ الرب تبارك وتعالى فعليه القتل، مسلماً كان أو كافراً، وهذا مذهب أهل المدينة.

وقال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبدالله يُسأل عن يهودي مرّ بمؤذن وهو يؤذن فقال له: كذبت، فقال: يقتل؛ لأنه شتم.

[ومن الناس من فرق بين ما يعتقدونه، وما لا يعتقدونه]، ومن الناس من [فرق] بين ما يعتقدونه وإظهاره يَضُرُّ بِنَا لأنه قدح في ديننا، وبين ما/ يعتقدونه وإظهاره ليس بطعن في نفس ديننا، وسيأتي إن شاء الله ذلك، فإن فروع المسالة تظهر مأخذها.

وقد قدمنا عن عمر رضي الله عنه أنه قال بمحضر من المهاجرين والأنصار للنصراني الذي قال: إن الله لا يضل أحداً: إنا لم نعطك ما أَعطيناك على أن تُدْخل علينا في ديننا، فوالذي نفسي بيده لئن عدت لآخذن الذي فيه عيناك، وجميع ما ذكرناه من الآيات والاعتبار يجيء أيضاً في ذلك؛ فإن الجهاد واجب حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى يكون الدين كله لله، وحتى يظهر دين الله على الدين كله، وحتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

والنهي عن إظهار المنكر واجب بحسب القدرة، فإذا أظهروا كلمة الكفر وأعلنوها خرجوا عن العهد الذي عاهدونا عليه والصَّغَار الذي التزموه، ووجب علينا أن نجاهد الذين أظهروا كلمة الكفر، وجهادهم [بـ]ـالسيف؛ لأنهم كفار لا عهد لهم، والله سبحانه أعلم.

المسألة الثانية

أنه يتعين قتله، ولا يجوز استرقاقه،

ولا المنُّ عليه، ولا فداؤه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير