تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن قال: "إنه يُرَدُّ إلى مأمنه" قال: لأنه حصل في دار الإسلام بأمان، فلم يجز قتله حتى يرد إلى مأمنه كما لو دخلها بأمان صبي، وهذا ضعيف جداً؛ لأن الله تعالى قال/ في كتابه:) وَإِن نَّكَثُوْا أَيْمَانَهُم مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِيْنِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ* أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ (الآية. فهذه الآية وإن كانت نزلت في أهل الهدنة فعمومها لفظاً ومعنى يتناول كل ذي عهد على ما لا يخفى، وقد أمر سبحانه بالمقاتلة حيث وجدناهم، [فعم] ذلك مأمنهم وغير مأمنهم، ولأن الله أمر بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فمتى لم يعطوا الجزية أو لم يكونوا صاغرين جاز قتالهم من غير شرط على معنى الآية، ولأنه قد ثبت أن النبي e أمر بقتل من رأوه من رجال يهود صبيحة قتل ابن الأشرف وكانوا معه معاهدين، ولم يأمر بردهم إلى مأمنهم، وكذلك لما نقضت بنو قينقاع العهد قاتلهم ولم يردهم إلى مأمنهم، ولما نقضت بنو قريظة العهد قاتلهم وأسرهم وقتلهم ولم يبلغهم مأمنهم، وكذلك كعب بن الأشرف نفسه أمر بقتله غِيلة ولم يشعره أنه يريد قتله، فضلاً عن أن يبلغه مأمنه، وكذلك بنو النضير أجلاهم على أن لا ينقلوا إلا ما حملته الإبل إلا الحلقة، وليس هذا بإبلاغ للمأمن؛ لأن من أُبلغ مأمنه يؤمن على نفسه وأهله وماله حتى يبلغ مأمنه، وكذلك سلام بن أبي الحُقيق وغيره من يهود لما نقضوا العهد قتلهم نوبة خيبر ولم يبلغهم مأمنهم، ولأنه قد ثبت أن أصحاب رسول الله e عمر وأبا عبيدة ومعاذ بن جبل وعوف بن مالك قتلوا النصراني الذي أراد أن يفجر بالمسلمة وصلبوه، ولم ينكره منكر، فصار إجماعاً، ولم يردوه إلى مأمنه، ولأن في شروط عمر التي شرطها على النصارى: "فإن نحن خالفنا عن شيء شرطناه لكم وضمناه على أنفسنا فلا ذمة لنا، وقد حل لكم منا ما حل لأهل المعاندة والشقاق"، رواه حرب بإسناد صحيح، وقد تقدم عن عمر وغيره من الصحابة مثل أبي بكر وابن عمر وابن عباس وخالد بن الوليد وغيرهم رضوان الله عليهم أنهم قتلوا وأمروا بقتل ناقض العهد، ولم يبلغوه مأمنه، ولأن دمه كان مباحاً، وإنما عصمته الذمة، فمتى ارتفعت الذمة بقي على الإباحة، ولأن الكافر لو دخل دار الإسلام بغير أمان وحصل في أيدينا جاز قتله (فالذي نقض العهد أولى أن يجوز قتله) في دارنا، وأما من دخل بأمان صبي فإنما/ ذاك لأنه يعتقد أنه مستأمن فصارت له شبهة أمان، وذلك يمنع قتله، كمن وطئ فرجاً يعتقد أنه حلال لا حد عليه، وكذلك لا ينسب في دخوله دار الإسلام إلى تفريط، وأما هذا فإنه ليس له أمان ولا شبهة أمان؛ لأن مجرد حصوله في الدار ليس بشبهة أمان بالاتفاق، بل هو مُقْدِم على ما ينتقض به العهد، مفرط في ذلك، عالم أنا لم نصالحه على ذلك، فأي عذر له في حقن دمه حتى يلحقه بمأمنه؟

نعم لو فعل من نواقض العهد ما لم يعلم أنه يضرنا ـ مثل أن يذكر الله تعالى أو كتابه أو رسوله بشيء يحسبه جائزاً عندنا ـ كان معذوراً بذلك، فلا ينقض عهده كما تقدم، ما لم يتقدم إليه كما فعل عمر بقسطنطين النصراني.

الرد على من قال: إنه كالأسير الحربي

وأما من قال إنه كالأسير الحربي إذا حصل في أيدينا فقال: لأنه كافر حلال الدم حصل في أيدينا، وكل من كان كذلك فإنه مأسور؛ [فلنا] أن نقتله كما قتل النبي e عقبة بن أبي مُعَيْط والنضر بن الحارث، ولنا أن نمن عليه كما مَنَّ النبي e على ثمامة بن أثال الحنفي وعلى أبي عَزّة الجمحي، ولنا أن نفادي به كما فادى النبي e [ بعقيل] وغيره، ولنا أن نسترقه كما استرق المسلمون خلقاً من الأسرى مثل أبي لؤلؤة قاتل عمر ومماليك العباس وغيرهم، أما قتل الأسير واسترقاقه فما أعلم فيه خلافاً.

اختلاف العلماء في المن عليه والمفاداة

لكن قد اختلف العلماء في المن عليه والمفاداة، هل هو باقٍ أو منسوخ؟ على ما هو معروف في مواضعه، وهذا لأنه إذا نقض العهد عاد كما كان، والحربي الذي لا عهد له إذا قُدِرَ عليه جاز قتله واسترقاقه، ولأنه ناقض للعهد فجاز قتله واسترقاقه، [كاللاحق] بدار الحرب والمحارب في طائفةٍ ممتنعة إذا أسر، بل هذا أولى؛ لأن نقض العهد بذلك متفق عليه، فهو أغلظ، فإذا جاز أن يحكم فيه بحكم الأسير ففي هذا أولى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير