تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثاني: جنايته على عِرْض رسول الله e وانتهاكه حرمته وإيذاء الله تعالى ورسوله والمؤمنين وطَعْنُه في الدين، وهذا معنى زائد على مجرد كونه كافراً قد نقض العهد.

ونظيْرُ ذلك أن ينقضه بالزنى بمسلمة أو بقطع الطريق على المسلمين وقتلهم وأخذ أموالهم أو بقتل مسلم، فإنَّ فِعْلَه ـ مع كونه نقضاً للعهد ـ قد تضمن جناية أخرى، فإن الزنى وقطع الطريق والقتل من حيث هو هُو جناية، ونقض العهد جناية، كذلك هنا سبُّ رسول الله e من حيث هو هُو جناية منفصلة عن نقض العهد، له عقوبة تخصه في الدنيا والآخرة زائدة على مجرد عقوبة التكذيب بنبوته، والدليلُ عليه قولُه سبحانه:) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً (. فعلَّق اللعنة في الدنيا والآخرة والعذاب المهين بنفس أذى الله ورسوله، فعلم أنه مُوجَب ذلك، وكذلك قوله تعالى:) وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (وقد تقدم تقريره.

يوضح ذلك أن النبي e لما دخل مكة آمن الناس الذين كانوا يقاتلونه قبل ذلك، والذين نقضوا العهد الذي كان بينه وبينهم وخانوه إلا نفراً منهم القينتان اللتان كانتا تغنيان بهجائه وسارة مولاة بني عبدالمطلب التي كانت تؤذيه بمكة، فإذا كان قد أمر بقتل التي كانت تهجوه من النساء ـ مع أن قتل المرأة لا يجوز إلا إذا قاتلت، وهو e قد آمن جميع أهل مكة من كان قد/ قاتل ونقض العهد من الرجال والنساء ـ علم بذلك أن الهجاء جناية زائدة على مجرد القتال والحراب؛ لأن التفريق بين المتماثلين لا يقع من النبي e كما أنه أمر بقتل ابن خَطَل لأنه كان قد قتل مسلماً، ولأنه كان مرتداً ولأنه كان يأمر بهجائه، وكل واحد من القتل والردة والأمر بهجائه جناية زائدة على مجرد الكفر والحراب، ومما يبين ذلك أنه قد كان أمر بقتل من كان يؤذيه بعد فتح مكة ـ مثل ابن الزَّبَعْرَى وكعب بن زهير و الحويرث بن نقيد وابن خطل وغيرهم ـ مع أمانه لسائر أهل البلد، وكذلك أهدر دم أبي سفيان بن الحارث، وامتنع من إدخاله عليه وإدخال عبدالله بن أبي أمية لما كانا يقعان في عرضه وقتل ابن أبي معيط والنضر بن الحارث دون غيرهما من الأسرى، وسمى من يبذل نفسه في قتله ناصراً لله ورسوله، وكان يندب إلى قتل من يؤذيه ويقول: "مَنْ يَكْفِينِي عَدُّوِي؟ "، وكذلك أصحابه يسارعون إلى قتل من آذاه بلسانه، وإن كان أباً أو غيره وينذرون قتل من ظفروا به من هذا الضرب، وقد تقدم من بيان ذلك ما فيه بلاغ، ومن المعلوم أن هؤلاء لو كانوا بمنزلة سائر الكفار الذين لا عهد لهم لم يقتلهم ولم يأمر بقتلهم في مثل هذه الأوقات التي آمن فيها [الناس] وكفَّ عمن هو مثلهم.

فعلم أن السب جناية زائدة على الكفر، وقد تقدم تقرير ذلك في المسألة الأولى على وجه يقطع العاقل أن سب الرسول e جناية لها موقع يزيد على عامة الجنايات، بحيث يستحق صاحبها مع العقوبة مالا يستحقه غيره وإن كان كافراً حربياً مبالغاً في محاربة المسلمين، وأن وجوب الانتصار ممن كان هذه حاله كان مؤكداً في الدين، والسعي في إهدار دمه من أفضل الأعمال وأوجبها وأحقها بالمسارعة إليه وابتغاء رضوان الله تعالى فيه، وأبلغ الجهاد الذي كتبه الله على عباده وفرضه عليهم، ومن تأمل الذين أهدر النبي e دماءهم يوم الفتح واشتد غضبه عليهم حتى قتل بعضهم في نفس الحرم وأعرض/ عن بعضهم وانتظر قتل بعضهم وَجَدَ لهم جرائم زائدة على الكفر والحراب من ردة وقتل ونحو ذلك، وجُرْم أكثرهم إنما كان من سب رسول الله e وأذاه بألسنتهم، فأيُّ دليل أوضح من هذا؟ ‍

على أن سبه وهجائه جناية زائدة على الكفر والحراب لا يدخل في ضمن الكفر كما تدخل سائر المعاصي في ضمن الكفر، وعلى أن المعاهدين إذا نقضوا العهد وفيهم من سب النبي e، كان للسب عقوبة زائدة على عقوبة مجرد نقض العهد.

الأدلة على أن السب أعظم من الكفر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير