[فواتح الرحموت فيماحركه الريس من مسلم الثبوت]
ـ[أبو أميرة]ــــــــ[06 - 02 - 06, 06:35 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن مكارم الأخلاق التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم بتكميلها هي زينة أهل الإسلام، وحلية أهل الاستقامة، وهي أصل من أصول الاسلام، وخصلة من خصال التقوى، وأكمل المؤمنين إيماناً وأحسنهم إسلاماً هو أحسنهم أخلاقاً وأكثرهم إحساناً.
وأهل السنة في أهل الاسلام هم أولى الناس بأخلاق المؤمنين،وأحقهم بهدي الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم في علمه وعمله وشأنه كله.
وإن " الثبات الذي هو صحة العقد، والثبات الذي هو اللجاج مشتبهان اشتباهاً لا يفرق بينهما إلا عارف بكيفية الأخلاق.
والفرق بينهما أن اللجاج هو ما كان على الباطل أو ما فعله الفاعل نصراً لما نشب فيه وقد لاح له فساده أو لم يلح له صوابه ولا فساده وهذا مذموم وضده الإنصاف.
وأما الثبات الذي هو صحة العقد فإنما يكون على الحق أو على ما اعتقد المرء حقاً ما لم يلح له باطله وهذا محمود وضده الإنصاف وإنما يُلام بعض هذين لأنه ضيَّع تدبر ما ثبت عليه وترك البحث عما التزم أحق هو أم باطل () "
وإن الأسى ليأخذ بنفس المسلم اليوم لحال كثير من المشتغلين بالعلم والدعوة والجهاد من ترك مكارم الأخلاق التي لا تزكو أعمالهم ولا يبارك لهم فيها إلا بإقامتها في معاملة الخلق ورحمتهم، وفي ترك الانتصار للنفس طمعاً في تكميل نقص فروض الكفاية من أبواب الدين فيهم.
وكم نقض كثير من المنتسبين إلى الصلاح والاستقامة حقوقاً قطعية في الشريعة عليهم لإخوانهم المسلمين بأمور ظنية لا ترقى المصلحة الموهومة فيها إلى عظيم النقص الذي أحدثوه في المصالح الشرعية القطعية حال مراعاتها.
وأهل السنة الذين هم أعرف الناس بالحق وأرحمهم بالخلق قد أصبح بعضهم في أمرٍ مريج من الهجر والقطيعة والبغضاء والشحناء ومطل الحقوق وتتبع العورات لا على جهة الإقرار بالخطيئة والاعتراف بالذنب وسؤال الله العافية من غل القلب وسخيمة الصدر بل على جهة الفرح بالنكاية والافتخار بالعداوة والتشبع بحوالق الدين.
وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي.
وإن فروض الكفاية من التعليم والدعوة والجهاد قد صارت كلها أو بعضها في كثير من بلاد الإسلام فرض عين على القادر من المسلمين لكون الكفاية لم تحصل فيها على الوجه الملحوظ اعتباره في مقاصد الشريعة.
وكل باب من هذه الأبواب محتاج إلى قدر واجب متفاوت من العلم الشرعي الذي
لا يقوم الإصلاح ولا يتم المراد إلا بتحقيقه في نفس المكلف قبل بذل النفس في باب من هذه الأبواب التي وقع في كل واحد منها قدر من التفريط في هذا الواجب.
ولما كانت هذه الأبواب كلها من واجبات الدين وفروضه فقد اجتهد أهل كل باب من هذه الأبواب في تحقيق القدر الواجب من كفاية الناس فيه، وترك كثير منهم ما وجب عليه في الأبواب الأخرى، وبالغ في جر الناس كلهم إلى الباب الذي تكلف التنظير لكونه مخرج الأمة كلها من حالها، فحقت عليهم سنة الله تعالى في أسلافهم:
?وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ? [المائدة ـ 14].
فترك بعضهم ما أمر به المؤمنون بينهم من التراحم والتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك الظلم بالحكم العام على كل أفراد المصلحين في هذا الباب بما يحكم به على كل فرد منهم وغلوا في توفير الرموز والمبالغة في النهي عن بيان أخطائهم على ما توجبه الشريعة من الحكمة والموعظة الحسنة فكان أن مرقت مارقة على حين فرقة من المصلحين تركت أهل الأوثان والشرك والفساد في الأرض واشتغلت بهم عقوبة كونية من الله تعالى على ترك كل منهم للقدر الواجب عليه من أبواب الشريعة التي تركها.
فمسخت هذه الطائفة بعض محاسن الشريعة التي جاءت كل الشرائع بها وعدتها عيوباً تحكم الشريعة نفسها بتحريمها وتجعل فاعلها أشد خطراً من اليهود والنصارى وسائر المشركين.
¥