تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واستدراكاً وانتقاداً.

وهذا البحث محاولة للكشف عن منهج الأئمة النقاد في موضوع " النقد الحديثي " على اعتبار أن الإمام البخاري من أبرز هؤلاء الأئمة، والمسلّم له بالتقدم والمتمكن في هذه الصنعة.

والمنهج الذي سلكته في هذا البحث هو المنهج التحليلي المقارن، وذلك باستقراء صحيح البخاري وأخذ الشواهد والأمثلة وتحليلها لاستخراج ما يكمن فيها من قواعد، ثم مقارنة هذه النتائج بمواقف أئمة معاصرين للبخاري (ص 10) كالإمام مسلم والترمذي وأبي حاتم وأبي زرعة، أو من جاء بعده كالدارقطني والبيهقي وغيرهما. حتى يتسنى لنا معرفة مدى توافق هذا المنهج أو اختلافه من إمام إلى آخر، ثم مقارنة هذه النتائج كلها بما استقرت عليه كتب المصطلح لمعرفة مدى التباين والتوافق بين الجانب التطبيقي عند الأئمة النقاد والجانب النظري عند كثير من المتأخرين من أئمة الكلام والفقه والأصول.

أما الأسباب التي جعلتني أختار هذا الموضوع المتعلق أساساً بالنقد الحديثي فهي:

1) الغموض الذي ما يزال يكتنف هذا الموضوع بين الدارسين للعلوم الشرعية عموماً والمهتمين بعلوم الحديث على وجه الخصوص، وبسبب هذا الغموض انتشرت كثير من النظريات الخاطئة، والمناهج المضطربة في " نقد السنة " وأصبحت ظاهرة تصحيح الأحاديث وتعليلها في ظل غياب منهج واضح موحد تنتشر يوماً بعد يوم مسببة آثاراً سيئة في فكر المسلمين، وعقائدهم وواقعهم.

2) حبي الشديد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وشغفي بكتب الحديث وخاصة صحيح البخاري، وإعجابي بعبقرية هذا الإمام ودقة منهجه.

3) المساهمة في تقريب الاستفادة من كتب السنة، وذلك بتوضيح مناهجها ومقاصد مؤلفيها.

4) المساهمة في تقريب الاستفادة من كتب علل الحديث، فهي على كثرتها وتنوعها صعبة التناول والاستفادة، وذلك للاختصار في بعضها كعلل ابن أبي حاتم، أو التطويل بذكر وجوه الخلاف كعلل الدارقطني، أو باختلاط مباحثها بمباحث الجرح والتعديل في كثير منها. والملاحظة العامة حول هذه الكتب أنها لا تصرح بذكر الحكم على الحديث، وفي كثير من الأحيان تشير إلى الحكم بعبارة أو عبارتين دون بيان أسس هذا الحكم، أي ما يعرف في هذا العلم بـ "قرائن الترجيح ".

وقد حرصت في هذا البحث وخاصة في القسم الثاني منه " منهج (ص 11) التعليل " على توضيح قرائن الترجيح عند الإمام البخاري أو غيره من الأئمة، وهذا مما يعين على فهم كلامهم والاستفادة من كتبهم.

5) قلة الدراسات الأكاديمية حول هذا الموضوع بخصوصه، فالدراسات السابقة في هذا الموضوع – في حدود علمي – تكاد تكون منعدمة إذ كانت جل الدراسات التي تناولت الإمام البخاري محدثاً أو فقيهاً إنما تناولته على سبيل السرد التاريخي المنقبي أو التتبع الفقهي الفروعي وليس هناك دراسات اهتمت بتوضيح منهج الإمام البخاري في علوم الحديث.

ولعل أهم دراسة علمية في هذا المجال هي " الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين" رسالة دكتوراه لنور الدين عتر، وواضح من خلال العنوان أنها تناولت الإمام الترمذي أصالة والبخاري ومسلماً على سبيل التبع والمقارنة، أضف إلى ذلك أنها كانت منصبة على النواحي الفقهية دون الغوص في القواعد والأسس، ولا أدعي أن هذه الدراسة التي أقدمها قد وصلت إلى الأهداف التي كنت أرومها، ولكن حسبي أن أقترب منها، فقد حاولت غاية جهدي أن أفصل في كثير من المباحث والقضايا التي تناولتها مجانباً للهوى متحرياً الحقَّ والصواب، وأحياناً أتوقف في بعض المسائل لعدم قيام الأدلة الكافية للجزم فيها بحكم معين.

ولعل أهم شيء تقدمه هذه الدراسة، أنها جمعت فوائد كثيرة كانت متفرقة في ثنايا كتب علوم الحديث والشروح وكتب العلل مما يتعلق بمنهج البخاري في صحيحه. ونسقت بينها في وحدة موضوعية مما يقرب (إن شاء الله) الاستفادة منها، وأرى من الواجب علي أن أعترف بأن كل ما في هذا البحث هو ثمرة علمائنا، وجهود سلفنا ليس لي فيه إلا الجمع والترتيب وبعض التوضيحات التي تبين مقاصد كلامهم، وتربط بين أقوالهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير