تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- أن ابن الفرضي كان أحياناً لا يحدد مصدر تلقيه الخبر الشفوي بل يقول أخبرني بذلك من كتب عنه أوسمع منه أو بعض أقاربه وغيرها من العبارات، بل أنه ربما كان أكثر تعميماً حين يقول ويحكي أنه … ([426])، كما أنه قد يجمع بين صيغتي أداء الخبر كأن يقول: وأخبرني وسمعت فلانا ([427])، وقد يجمع بين الرواية الشفوية والمكتوبة ([428]).

- مما يميز هذا النوع من المصادر أن ابن الفرضي لا يتعامل مع مصادر جامدة، بل إنه يتعامل مع رجال قد استوعبوا ما يقولون، وعايشوه كما عايشوا من ينقلون إليه الخبر، ولهذا سنحت فرصة للسؤال والمناقشة بين الطرفين لما قد يشكل حول الخبر المنقول، ومن الأمثلة على ذلك قوله حينما تحدث عن خالد بن سعد: (وكان إسماعيل يرفع به جداً … وسألت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عن خالد هل كان بحيث يضعه إسماعيل من العلم بالحديث؟ فقال لي: أعور بين عميان…) ([429])، وكذلك قوله عن مسلمة بن القاسم: (وسمعت من ينسبه إلى الكذب وسألت محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عنه فقال لي لم يكن كذاباً، ولكن كان ضعيف العقل) ([430]).

بل إن المصادر الشفوية ربما كانت معينة في تفسير وكشف غموض بعض ما يرد في المصادر المكتوبة، ومن الأمثلة على ذلك قول ابن الفرضي عن مروان بن عبد الملك الفخار: (وقرأت بخط أحمد بن محمد بن عبد البر قال: قال لي أحمد بن خالد: كان مروان الفخار ساكناً بأقريطش ([431]) وكان أصله من هنا، كان جاراً لبقي بن مخلد، قال: وكان له عشرين جارية تساوي كل جارية خمسمائة دينار: ولقد كانت له صبية تخرج إلى الفرن، وكانت ربما تأتيني بهدية يبعثها إلي فلقد كنت أتمنى أن تكون لي … ولقد قال لي: أن لي اليوم عشرين سنة ما أبيت إلا في ثيابي بعمامتي كما تراني وما أمس واحدة منهم، قلت لأحمد ابن كم؟ قال ابن ستين أو أكثر منها، قلت لأحمد: فعلى مروان كانت تدور فتيا أهل أقريطش؟، قال لي نعم، قلت له: وكان يحسن الفتيا؟ قال: كذا قال: ولقد جادلني يوماً في مسألة وكان فيها المخطئ، …) ([432]).

وبهذا يتبين لنا أن المصادر الشفوية كانت من المصادر المهمة عند ابن الفرضي، بل إنه وبحكم معايشته لكثير من رواتها وأحداثها أفاد منها كثيراً، ولعل جرأة ابن الفرضي ومكانته العلمية فضلاً عن مواهبه العلمية والثقافة مما ساعده على ذلك ومكنه من السؤال عما أشكل والتحري عن الراوي والمروي عنه.

كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي وطرق تلقيه الأخبار حين تدوين كتابه تاريخ علماء الأندلس، وبالإضافة إلى هذه المصادر التي صرح بها وذكرها، فقد اعتمد أيضاً على مصادر أخرى غير محددة أو منسوبة إلى شخص معين مثل قوله: ذكر أو أخبرني بعض أصحابنا ([433])، أو بعض أهله ([434])، أو أهل موضعه ([435]) أو من أثق به ([436]) أو أهل العلم ([437])، أو غير واحد ([438])، أو جماعة ([439])، أو بعض الشيوخ ([440])، أو بعض من كتب عنه ([441])، أو كتب عنه وسمع منه ([442])، أو من سمع ([443]) وغيرها من العبارات التي توحي بأخذ ابن الفرضي من مصدره مباشرة، لكنه لم يحدده باسمه إما لدواعي الاختصار، وهو منهج عمل به كثيراً في التعامل مع مصادره وأسانيدها، وقد يكون الغرض كثرة من تلقى عنهم الخبر بدرجة أن الرواية أصبحت متواترة لديه مما جعله لا يرى حاجة إلى تحديد مصدرها، بل إن هذا الشعور جعله أحياناً لا يحدد مصدره، بل يقول فيما بلغني ([444]) أو ويحكى ([445])، وهكذا تبدو لنا دقة ابن الفرضي في التعامل مع مصادره، حيث كان ينسب الأقوال إلى أصحابها، بل إنه كان حينما يسمع الخبر من مصادر متعددة يوضح ذلك حيث ينسب كل جزئية إلى قائلها ومن ذلك قوله حينما تحدث عن عبد الرحمن بن صفوان: (ذكر بعض أمره خالد، وبعضه من كتاب ابن حارث، وكتبت نسبه من كتاب محمد بن أحمد ([446]).

حاسة النقد التاريخي عند ابن الفرضي وأثرها على موقفه من مصادره:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير