تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإن تشجيع الأثرة والأنانية واستشراف أي مؤلف لمصنف شرعي لأن ينال ثمن عمله في مصنفه من متاع الدنيا بدلاً من أجر الآخرة وإن التمكين لوجود قاعدة عامة وعرف سائد، أن ينال مصنف المؤلف الشرعي ثمن جهده فيه ثمناً بخساً دراهم معدودة، وإن شيوع أن الاحتساب وابتغاء وجه الله هو الاستثناء من القاعدة العامة، كل ما سبق عوامل إضعاف بل هدم للقيم السامية التي أتم الله بها نعمته على المسلم ورضي له.

وهذا كله يعني أنه لغرض الموازنة بين المصالح والمفاسد عند الاجتهاد في الحكم على النوازل والواقعات يجب الانتباه إلى أن المحافظة على قيم الإسلام وحياطتها من عوامل الضعف والإضعاف مصلحة عظمى، توزن بوزنها الحقيقي عند الترجيح بينها وبين المصالح الأخرى التي يبرر بها المؤلفون وغيرهم أخذ المقابل المالي عن التأليف.

جـ - أول ما صدر من القوانين المنظمة للحق المالي للمؤلف صدر عن حكومة الثورة

الفرنسية، وهذه الثورة قامت أساساً لإعلاء كلمة العلمانية (اللادينية) وعزل الدين عن السلطة الزمنية، ومع ذلك لم تستطع هذه القوانين إغفال الاعتبارات الأدبية ورعاية المصلحة العامة وحقوق الإنسانية باعتبارها شريكة حقيقية للمؤلف في إنتاجه، بل إن مساهمة الإنسانية تمثل العنصر الغالب والأهم في الإنتاج، فالمؤلف إنما قام بالتعبير عن أفكاره بواسطة اللغة، واللغة عمل للإنسانية سابق للمؤلف، وقد توسل بالكتابة ولم يكن هو الذي ابتكرها، وأغلب عناصر التفكير في المؤلف استقاها من مؤلفين سابقين، لذلك لم تعتبر تلك القوانين الحق المالي للمؤلف – بعد أن قررته – حقاً مطلقاً لا من حيث الزمن ولا من حيث نوع المؤلف ولا من حيث وجه الانتفاع به.

وفي البيئة الإسلامية توجد معان أخرى بالإضافة إلى ما ذكر آنفاً، وقد أشير إليها في موضع آخر من هذه المقالة تمنع أن يقدر حق المؤلف فوق قدره وفي خصوص المؤلفات الشرعية توجد حقوق الله فوق حقوق الإنسانية لا مندوحة عن أن تراعى، وأن يعتد بها عند بحث حق المؤلف.

وقد أشير في الفقرتين السابقتين 3،2 إلى أن النظام السعودي تنبه لخصائص البيئة التي يطبق فيها النظام، وظهر ذلك في صياغته الأمر الذي يوجب أن يأخذ هذا في الاعتبار عند تفسير النظام أو تنفيذه.

د- الأصل – كما تقدم - إحسان الظن بالمسلم ولا سيما من أهل العلم بالله، وذلك يقتضي الافتراض دائماً أن مؤلف المؤلف الشرعي إنما ألفه ابتغاء وجه الله، فما لم يصرح المؤلف عن إرادته بان قصده من تأليفه الحصول على العوض المالي عن حق التأليف أو أنه أشرك مع قصده وجه الله الحصول على العوض المالي عن المؤلف فيجب في رأي كاتب المقال أن يعتبر أن عمله واقع في الملك العام، أي في ملك الله كالصدقة والوقف.

وإذا كانت القوانين عندما تعتبر أن المؤلف واقع في الملك العام لا تسحب عليه الحماية للحق المالي للمؤلف، وإذا كانت هذه القوانين لا تقرر هذه الحماية تجاه وجوه من الانتفاع – كما نصت عليه الفقرات العشر من المادة الثامنة من النظام السعودي – لعلم واضعي تلك القوانين أن مد الحماية إلى تلك الوجوه من الانتفاع المستثناة من الحماية معوق للتقدم والتطور الدنيوي النافع للمجتمع، إذا كان الأمر كذلك فأولى أن لا تمتد هذه الحماية إلى المؤلفات الشرعية الواقعة منذ عزم مؤلفها على إنتاجها في ملك الله، والتي قصد منها هداية الخلق، وإظهار العلم المحرم كتمانه، وإذا كان لا يجوز للمتصدق العود في صدقته ولا للواقف الرجوع عن وقفه فإن المجهود الذهني الذي بذل لله أولى بأن لا يجوز لباذله الرجوع فيه فضلا عن أن يكون ذلك لغيره وارثاً أو غير وارث.

هـ - في ضوء الفقرات السابقة فإن كاتب المقال يرى أنه من الناحية القانونية (وهي التي تتصل باختصاصه) ينبغي أن يقال: إن النظام السعودي المقرر لحماية حقوق المؤلف لا يسري على المؤلفات التي اختار مؤلفوها أن لا يسري عليها، وأنه يفترض – حتى يثبت العكس – أن مؤلفي المؤلفات الشرعية من علماء الإسلام قد اختاروا أن تخرج مؤلفاتهم عن نطاق الحماية للحق المالي للمؤلف التي يقررها النظام، واختاروا أن لا تشوه بسلطة احتكارها، وحجرها عن الانتفاع بها إلا بمقابل.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير