2 - كانت الأمة المسلمة في كل عصورها تعي الفرق بين جزاء المؤلف وجزاء من يتكسب بالمؤلفات وعندما ألف الإمام النووي رحمه الله كتاب رياض الصالحين (أوسع الكتب انتشاراً لدى المسلمين بعد القرآن) ربما خطر في باله أن سيتكسب بهذا المؤلف ويرتزق به فئام من الوراقين والنساخين والغالب أنه لم ير في ذلك شذوذا عن الطبيعة أو الشريعة ولكني أجزم أنه لم يكن ليخطر في باله أن له نفسه حقا ماليا ً يتمثل في العوض عن احتكار استغلال هذا الكتاب المبارك، وهل يظن أحد أن المؤلفين من علماء الأمة في كل عصورها لم يكونوا على هذا المنوال؟
من المقبول – لدى القلب المطمأن – أن يقول مسلم لا أترك السعي لكسب لقمة العيش وأحبس نفسي لتعليم القرآن للصبيان إلا بمقابل مالي، ولكن ليس مما يطمئن إليه القلب أن يصنف مصنف في تفسير القرآن ثم يقول لا أسمح لغيري بالانتفاع به إلا بمقابل مالي.
هناك فرق بين الأمرين إن غاب عن الذهن فإنما يغيب بسبب شيوع ثقافة المعاوضة والمشاحة، واختفاء فكر الإيثار فمن يقيس مصنف المؤلف الشرعي على الناشر التاجر أو يقيس العوض عن احتكاره استغلال المؤلف الشرعي على العوض الذي يأخذه معلم القرآن يغيب عنه هذا الفارق.
3 - يلاحظ الغلو في تصور الحق المالي للمؤلف الشرعي من بعض رجال العلم والمؤلفين والمعينين من جهات التنفيذ فكان من رجال العلم من تصور أن سلطة الاحتكار التي منحها القانون للمؤلف حق ملكية تنطبق عليها أحكام المال المملوك فأحرجوا أعداداً من الطلبة الورعين الذين يدرسون في الغرب واستفتوهم في مسائل متعلقة بحقوق التأليف فأفتوهم دون تصور لطبيعة هذا الحق، و لا معرفة بالقوانين التي تحكمه.
وأما المؤلفون فليس نادراً أن نرى مؤلفاً سعودياً يهتم بأن يسجل على كتابه أنه (لا يجوز أخذ جزء منه أو اقتباسه أو استنساخه أو ... أو ... إلا بإذن المؤلف) وظاهر أن هذا تجاوز لأحكام النظام السعودي الذي أجاز في الفقرات العشر من المادة الثامنة من النظام أنواعاً من وجوه استخدام المؤلفات، ونص على أن هذه الوجوه مشروعة دون الحصول على إذن المؤلف.
من يسمع شكاوى الناس ويصدقهم يعتقد أن موظفي الأجهزة التنفيذية في متابعتهم لتنفيذ النظام يتخذون من الإجراءات لحماية مصالح رعايا الدول الأجنبية ليس فقط أشد وأبلغ من الإجراءات التي يفترض أن تتخذها الأجهزة التنفيذية في الدولة الأجنبية لمصالح مواطنيها السعوديين بل أشد وأبلغ من الإجراءات التي تتخذها تلك الدولة الأجنبية لحماية مصالح مواطنيها أنفسهم.
لي صديق من الأئمة رزقه الله صوتاً حسناً ورزقه كما أحسب والله حسيبه – ورعاً وصلاحاً وعندما عاتبته على إعطائه أحد الناشرين حق احتكار استغلال تسجيل قراءته في صلاة التراويح اعتذر بأن الجهة التنفيذية (وزارة الإعلام) توجب ذلك ولا تسمح بالنشر إلا بهذا الإجراء.
قد يكون إجراء الجهة التنفيذية صحيحاً لو كانت الحالة حالة مغنٍ سجل أغنية أو أداها في مسرح، وأما قراءة الإمام في صلاة التراويح فلا تنتج من الناحية القانونية للإمام حقاً احتكارياً باستغلالها، وإن كان الناشر التاجر عندما يسجل هذه القراءة ويهيئ التسجيل للبيع يكون له الحق في أن يمنع ناشراً آخر أن ينسخ تسجيله ويقوم بنشره، ولكن لهذا الناشر الآخر أن يقوم هو نفسه بتسجيل القراءة وينشر ما سجله، وظاهر أن حق الناشر في مثل هذا يختلف عن حق المؤلف.
4 - فإذا قيل إن المؤلف الشرعي لا حق له مالياً يحميه النظام فهذا لا يعني بالضرورة أن عمل الناشر مباح تقليده، وإعادة نشره من قبل شخص آخر.
علاقة إسرائيل بالولاية المتحدة أبلغ من علاقة الصديق بل الحليف الإستراتيجي، ومع ذلك ربما لا تنتهك الحقوق الفكرية الأمريكية في بلد كما تنتهك في إسرائيل، وذلك أن إسرائيل كأي دولة معاصرة تبني علاقتها بالدول الأخرى حتى الصديقة أو الحليفة أو الشريكة في الأهداف والمصالح، على أساس المصلحة القومية والقوة فلا تنشط أجهزتها التنفيذية للتضحية بمصالحها الوطنية لحساب مصالح مواطني دولة أجنبية، لا لسبب إلا التزامها القانوني تجاه الدولة الأجنبية.
¥