ليس لنا مثل السوء فلا يظن أني سوف أوصي بأن تسلك الأجهزة التنفيذية في المملكة العربية السعودية سلوك الأجهزة التنفيذية الإسرائيلية لأن المملكة العربية السعودية وهي مقيدة بمبادئ الإسلام لا خيار لها في أن تنتهك اتفاقية دولية أبرمتها، ولو كان تنفيذ تلك الاتفاقية ضد مصالحها.
و لكني أوصي بأن لا يلتزم رجال السلطة التنفيذية بما لا يلزم فيغلوا في تنفيذ قواعد ما يسمى الملكية الفكرية سواء كانت في شكل نظام وطني أو اتفاقية دولية.
الخلاصة:
1 - إن الحق المالي للمؤلف مصدره القانون، القانون يوجده، والقانون يلغيه، والقانون يحدد نطاقه من حيث الزمان والمكان والنوع ووجوه الانتفاع.
2 - القانون الذي أوجد هذا الحق لأول مرة نشأ في تربة النظام الرأسمالي العلماني المخصبة بالفردية والمشاحة والمغالبة وسيادة معيار المنفعة المادية.
3 - نظام حماية حقوق المؤلف السعودي مصدره التاريخي القوانين الغربية والاتفاقيات الدولية، ومع ذلك فلا يلزم بالضرورة أن يرجع في تفسيره إلى مصدره التاريخي بل يجب من الناحية القانونية عند تفسيره أو تنفيذه مراعاة انسجامه مع القانون الأعلى للمملكة (شريعة الإسلام) بروحها ومقاصدها وقواعدها، ومراعاة انسجامه مع البيئة التي يطبق فيها.
والبيئة في المجتمع المسلم كمجتمع المملكة العربية السعودية من المفترض أن تسود فيها قيم الإخلاص لله، وروح الاحتساب، ورجاء لقاء الله، والأمل في الباقيات الصالحات وذلك على خلاف بيئة المجتمع الرأسمالي
4 - التوقيع عن الله ببيان الحلال والحرام وزيادة المعرفة بالله وما يحبه و يرضاه وما يكرهه ويسخطه، والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله باللسان والقلم .. هذه المعاني وما يجري مجراها هي مضمون ما يعنيه المقال بعبارة (المؤلفات الشرعية) وأداء الأعمال المذكورة من أفضل القرب والعبادات ولب العبادة وأساسها إخلاصها لله وتنزيهها عن شوائب الشرك بحظوظ النفس، وإحسان الظن بالمسلم (وهو واجب بالأصل) يقتضي افتراض أن مؤلف المؤلف الشرعي قد تمحضت إرادته لأن يكون عمله لله، وقد قصد أن يقع في ملك الله فمثله مثل المتصدق الذي بذل صدقته والواقف الذي أنجز وقفه، وهذا بالتالي يقتضي افتراض أن المؤلف الشرعي قد اختار أن لا يدخل تأليفه في نطاق النظام من حيث الاستشراف لثمرات ونتائج الحق المالي للمؤلف.
وإذا كانت القوانين عند ما تفترض أن المؤلف وقع في الملك العام مثل الحالات المنصوص عليها في المادة السادسة من النظام السعودي لا تسحب عليه الحماية لحق المؤلف المالي فأولى بالنظام السعودي أن لا يسحب حمايته على المؤلف الذي وقع في ملك الله.
5 - موجب الفقرات السابقة أن المؤلف الشرعي الذي لا يعبر مؤلفه صراحة عن إرادته أن يخضع لنظام حماية المؤلف المالي لا تنسحب عليه الحماية المقررة للحق المالي للمؤلف بموجب النظام.
وبناء على ذلك يجوز لكل أحد أن ينشر المؤلفات الشرعية لعلماء المملكة العربية السعودية حتى ولو لم يمض على وفاتهم خمسون عاماً.
على أنه لا يجوز الافتئات على حق من لا يزال حياً منهم في اختيار أن لا ينشر مؤلفه إلا بعد أن يرضاه للنشر.
6 - أما المؤلف الشرعي الذي يصرح مؤلفه بإرادته أن يخضع لنظام حماية حق المؤلف، فإنه يثبت له الحق المالي وتنسحب عليه الحماية المقررة بالنظام، هذا من الناحية القانونية، وأما من الناحية الشرعية فإن كاتب المقال يكل العلم فيه إلى عالمه ويترك الحكم بجواز العمل أو عدم جوازه وترتب الحق المالي أو عدم ترتبه للمختصين من أهل العلم الشرعي.
7 - على أن هناك نوعاً من المؤلفات الشرعية لا تخضع أصلاً لنظام حماية حق المؤلف، ولا حق مالياً لها، وهي المنصوص عليها في المادة السادسة من النظام، وما هو مثلها وتشمل هذه المؤلفات الأحكام القضائية وقرارات هيئة كبار العلماء، وفتاوى اللجنة الدائمة وفتاوى المفتين الرسميين فهذه كلها تقع في الملك العام ولا يكون لأحد حق المؤلف عليها كما تشمل في رأي كاتب المقال خطب الجمعة وكل المواعظ الدينية وترتيل الأئمة للقرآن في الصلاة.
وحتى بالنسبة للمؤلفات المحمية بالنظام يجوز بدون إذن المؤلف الانتفاع بها بوجه من وجوه المنصوص عليها في المادة الثامنة من النظام.
8 - بما أن المجتمع يتميز بقيمه وأن من أسمى القيم التي يجب أن يتميز بها المجتمع المسلم الإخلاص لله، والاحتساب، وتوقي الشح طريقاً للفلاح، والتخلي عن متاع الغرور أملاً في الباقيات الصالحات، وبما أنه لا أشد خطراً على القيم الاجتماعية من نشوء وتنامي قيم منافية ومنافسة، والقيم تنشأ وتتنامى عندما ترسخ مظاهر السلوك عادات ثم عرفاً ومعروفاً لا ينكر، وهذه الحقيقة تنبه الغيوريين على ما يغار الله عليه من الإخلاص والذين يهمهم حماية القيم الأساسية الإسلامية التي يتميز بها المجتمع المسلم عن المجتمع الكافر تنبههم إلى الحذر من التسامح تجاه عوامل إضعاف القيم السامية أو تدميرها وأن يعتبروا هذه المصلحة مصلحة عليا عند الموازنة بين المصالح مصلحة ترجح كل المصالح التي اعتاد المؤلفون الشرعيون أن يبرروا بها اختيارهم أن يظهروا بمظهر من يريد بالعبادة حظ الدنيا فيتتابع الناس على الاقتداء بهم حتى يصبح المعروف منكراً.
إن كاتب المقالة يناشد علماء الأمة أن يعوا مسئوليتهم ويعملوا مكافحة الخطر المحدق من أخطار الغزو الفكري والثقافي الداهم وأن يحرصوا وهم على ثغرات الإسلام أن لا يؤتى الإسلام من قبلهم.
وبالله التوفيق والله المستعان،،،
¥