ويكفيك أن تعلم أنه بالرغم من حب الرجل (لابن تيمية) وإعجابه به، يقابل اتهام (ابن حجر الهيتمي) له بكل تعقل واتزان فأنت تقرأ له في أول الكتاب، وهو بصدد تعريفه بطرفي الخصومة يقول عن (ابن حجر) وهو من هو في عداء ابن تيمية:
((وهو صاحب التأليفات المرضية، والعلوم اللدنية، علامة الأواجر، والبحر الزاخر، ذو التصنيفات التي هي في منهاج التحقيق تحفة الناظر)).
وصاحب التأليفات المرضية هذا هو الذي يقول:
((ابن تيمية عبد خذله الله تعالى وأضله، وأعماه وأصمه وأذله، بذلك صرح الأئمة الذي بينوا فساد أحواله، وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته، وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العز بن جماعة، وأهل عصرهم من الشافعية والمالكية، والحنفية)).
((ولم يقتصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر ابن الخطاب ?، وعلي بن أبي طالب ?، كما يأتي)).
((والحاصل: أنه لا يقام لكلامه وزن، بل يرمي في كل وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال، جاهل غال، عامله الله تعالى بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله)).
ولكنه الاعتداد بالنفس. فإن الرجل (الآلوسي) بما عنده من علم، يثق بأنه سيأتي على بنيان (ابن حجر) من القواعد، فيذروه قاعاً صفصفاً لا نرى فيه عوجاً ولا أمتا وقد فعل.
إإن المنهج الذي ارتضاه (الآلوسي) رحمه الله! - في كتابه هذا (جلاء العينين) – وهو منهج المناقشة في هدوء، وبدون استعمال الألفاظ النابية – منهج نرتضيه نحن أيضاً بل ندعو إليه، ونحرض عليه. إذ لا يليق بالداعية إلى الحق أن يكون سباباً، أو فحاشاً، أو شتاماً , ولأننا طولبنا كمسلمين أن نجادل بالتي هي أحسن.
ولكن ليس معنى هذا أن نترحم على الكفرة والملاحدة والخارجين على الله، وعلى آياته. كما فعل الشيخ (الآلوسي) رحمه الله في بعض حديثه عن ابن عربي والحلاج وابن سبعين وابن الفارض فإن في ذلك تعظيم لشأنهم نوع تعظيم، وفيه ما فيه من شر ووبال.
هذا ما نأخذه على صاحب الكتاب رحمه الله وأثابه؛ ونأخذ عليه أيضاً موقفه من (الحلاج) وشركائه، فإنه يقول:
((وأما قول من قال: إن من اعتقد ولاية الحلاج، وابن الفارض، كفر فليس بجيد منه، لأن إطلاق الكفر على من اعتقد شيئاً محتملاً خطأ)).
ونحن نتساءل ما هي الولاية التي يمكن أن تنسب للحلاج ومن نحا نحوه؟ أهي ولاية الشيطان؟ أم أنها ولاية الله العامة، التي يتولى بها شئون خلقه أجمعين؟ ربما أما أن تكون ولاية الخاصة – لعباده المؤمنين – فهذا ما ننفيه ونسرف في نفيه، ونبالغ في هذا الإسراف.
من هو (الحلاج)؟ إنه القائل: ((أنا الحق)) و ((ما في الجبة إلا الله)) ومن هو (ابن الفارض)؟ إنه القائل:
لها صلواتي في المقام أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ناظر إلى حقيقته بالجمع في كل سجدة
أما نحن فنقول بكفرهما، بل ونذهب إلى أبعد من هذا فنقول بكفر من يشك في كفرهما. كما روى (الشيخ الآلوسي) عن (المقرى).
وهذا الذي أخذناه على الشيخ لا يهون من فائدة كتابه، ولا يقلل من جدواه فهو كتاب وسع بين دفتيه ثقافة شاملة، ومعرفة كاملة، وناقش قضية هامة، الناس في حاجة إلى تعرف وجه الحق فيها من زمان، وبخاصة في هذا الزمان!
إن اتهام (ابن تيمية) وهو الرجل المجاهد المناضل، في سبيل الله، وفي سبيل دينه، أمر ينبغي أن يعطي قدراً كبيراً جداً، من العناية والرعاية.
فإن (ابن تيمية) وما ذهب إليه من آراء؛ يعتبر عاملاً هاماً في الثقافة الإسلامية. فإذا ما أراد مريد من الناس (كالهيتمي) – مثلاً – أن يشطب ابن تيمية، من تاريخ الفكر الإسلامي فلا ينبغي أن نتركه يفعل، بل لا بد أن نجادله ونناقشه، ونسرف في مجادلته ومناقشته، حتى يبين وجه الحق، ويثوب غارب الصواب. وخيراً فعل (الشيخ الآلوسي) فقد أفاد وأجاد، وقد قام بعمل مشكور، في هذا السبيل.
¥