قال الألباني: (من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت و هذا فرض لينجو من إثم مخالفة الإفراد ليوم الجمعة فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبت:إلا فيما افترض عليكم، و لكن هذا إنما لمن صام الجمعة و هو غافل عن النهي عن إفراده، أما من كان على علم بالنهي فليس له أن يصومه لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه – فلا يدخل – و الحالة هذه تحت العموم المذكور و منه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيلة فلا يجوز إفراده كما لو وافق ذلك يوم السبت لأنه ليس ذلك فرضاً عليه) انتهى.
فإن لم ترضوا بهذا الجمع: فاعلموا أنَّ الأدلة متعارضة؛ وحينئذ لا بدَّ من التسليم لقواعد الترجيح: كقاعدة "المنطوق مقدَّم على المفهوم"؛ فحديث جويرية مسوق أصلا في حكم صوم يوم الجمعة؛ أي في متى يشرع صومه؟ فكان قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إلا يوماً قبله أو بعده)، فجواز صوم يوم السبت فى هذا الحديث يؤخذ تبعاً من قوله (أو بعده)، أما لو نظرنا إلى حديث النهي عن صيام يوم السبت علمنا أنَّ الحديث مسوق أصلا في حكم صوم السبت؛ متى يشرع صومه؟ فكان قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: (إلا فيما افترض عليكم)؛ والمسوق أصلا مقدَّم على المسوق تبعاً، فحديث جويرية يدل بدلالة المفهوم، أما حديث النهي فيدل بدلالة المنطوق , والمنطوق مقدم على المفهوم كما لا يخفى في علم الاصول.
و حديث أبي هريرة رضى الله عنه الكلام فيه مثل الكلام في حديث جويرية بنت الحارث , فإما ان يجمع بينها بما تقدم , وإما ان يرجح بالقواعد السالفة الذكر.
وبهذا يتبين ضعف دعوى النسخ ويتبين أن الحديث خالٍ من هذه العلة.
هذا الحديث شاذ
القائلون بالجواز قالوا: أن هذا الحديث شاذ , قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (إنه لا يكره صوم يوم السبت مفردا وإن الحديث شاذ أو منسوخ).
فقد صرح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجواز صيام يوم السبت بل بإستحبابه كما في:
• حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر: السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء والخميس) أخرجه الترمذي وحسنه.
• حديث أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم السبت والأحد، يتحرى ذلك، ويقول: (أنهما يوما عيد الكفار، وأنا أحب أن أخالفهم).
• حديث جويرية بنت الحارث: أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: (صمت أمس؟ فقالت: لا، فقال: "تريدين أن تصومي غداً؟ "، قالت: لا، قال: فأفطري) البخاري , فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تريدين أن تصومي غداً؟ ") فاليوم الذي بعده هو السبت , وحديث ابي هريرة (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوماً قبله أو بعده) متفق عليه.
كما ان الحديث مخالف لعموم الاحاديث الدالة على استحباب صيام بعض الايام والتي قد يقع السبت فيها ومنها:
• إفطار يوم وصوم يوم , قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) متفق عليه , وقد يوافق السبت يوم الصيام.
• صيام ثلاثة أيام من كل شهر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ) متفق عليه , وهذا مطلق بأن يصوم أي ثلاثة أيام من الشهر , والسبت أحدها.
• صيام الست من شوال قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) مسلم , وقد يوافق السبت واحداً منها.
• صيام أكثر شعبان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ) البخاري , والسبت داخل فيه.
¥