تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعد ان توصل ابن القيم رحمه الله الى فهم الحديث حيث يوضح ان الحديث (يقتضي: أنَّ النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض) , يذهب إلى جواز صيام يوم السبت في غير الفرض؛ ويعلل ذلك فيقول (وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها؛ كقوله في يوم الجمعة "إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده" فدلَّ على أنَّ الحديث غير محفوظ وأنه شاذ!!) انتهى.

فهذا ابن القيم يحكم على الحديث بالشذوذ لمعارضته لِما ذكر من أحاديث؛ ولولا ذلك لقال بظاهر الحديث وهو المنع من صومه في غير الفرض مفرداً أو مضافاً، كما أشار هو في أول كلامه.

كما ان الحافظ العراقي يوضح ان الحديث ظاهر الدلالة على النهى بل يقول: (هذا من المبالغة في النهي عن صومه؛ لأنَّ قشر شجر العنب جاف لا رطوبة فيه ألبتة بخلاف غيره من الأشجار) انتهى.

فالحديث يدل دلالة واضحة على ان المقصود من النهي هو تحريم صيام يوم السبت وانما قالوا بخلاف ذلك لحكمهم على الحديث بالشذوذ او النسخ وقد بينا سابقا ان الحديث خالٍ من هذه العلل.

فاذا تقرر ذلك وجب الاخذ بالحديث وإن لم يعرف أن أحداً عمل به , فالحديث حجة بنفسه لا يحتاج إلى الاحتجاج به أن يعرف أن أحد من الأئمة عمل به.

قال الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة (لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود) انتهى.

وقال ابن حزم في الإحكام (فكل من أداه البرهان من النص أو الإجماع المتيقن إلى قول ما، ولم يعرف أن أحداً قبله قال بذلك القول ففرض عليه القول بما أدى إليه البرهان، ومن خالفه فقد خالف الحق ومن خالف الحق فقد عصى الله تعالى، ولم يشترط تعالى في ذلك أن يقول به قائل قبل القائل به، بل أنكر على من قاله إذ يقول عز وجل حاكيا عن الكفار منكراً عليهم أنهم قالوا: ((مَاسَمعْنَا بِهَذَا فِي المِلَّةِ الآخِرَةِ)) ص7 , ومن خالف هذا فقد أنكر على جميع التابعين وجميع الفقهاء بعدهم، لأن المسائل التي تكلم فيها الصحابة رضي الله عنهم من الاعتقاد والفتيا، فكلها محصور مضبوط، معروف عند أهل النقل من ثقات المحدثين وعلمائهم، فكل مسألة لم يرد فيها قول عن صاحب لكن عن تابع فمن بعده، فإن ذلك التابع قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله بلا شك، وكذلك كل مسألة لم يحفظ فيها قول عن صاحب ولا تابع وتكلم فيها الفقهاء بعدهم فإن ذلك الفقيه قد قال في تلك المسألة بقول لم يقله أحد قبله) انتهى.

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (إذا كان عند الرجل الصحيحان أو أحدهما أو كتاب من سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موثوق بما فيه فهل له أن يفتي بما يجده؟، فقالت طائفة من المتأخرين: ليس له ذلك لأنه قد يكون منسوخاً أو له معارض أو يفهم من دلالته خلاف ما دل عليه فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسأل أهل الفقه والفتيا. وقالت طائفة بل له أن يعمل به ويفتي به بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحدث به بعضهم بعضاً بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول أحد منهم قط: هل عمل بهذا فلان وفلان، ولو رأوا من يقول ذلك لأنكروا عليه أشد الإنكار وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم وطول العهد بالسنة، وبعد الزمان وعتقها لا يسوغ ترك الأخذ بها والعمل بغيرها ولو كانت سنن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان أو فلان لكان قول فلان أو فلان عياراً على السنن، ومزكيا لها، وشرطاً في العمل بها، وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الأمة وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبليغ سنته ودعا لمن بلَّغها، فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الإمام فلان والإمام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان) انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير