قال القائلون بكفر تارك الصلاة: من الأدلة على كفر تارك الصلاة قول الله تبارك و تعالى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة 11 , ووجه الدلالة من الآية هي أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين , ثلاثة شروط:
الأولى: أن يتوبوا من الشرك.
الثانية: أن يقيموا الصلاة.
الثالثة: أن يؤتوا الزكاة.
فإن تابوا من الشرك , ولم يقيموا الصلاة , ولم يؤتوا الزكاة , فليسوا بإخوة لنا.
وإن أقاموا الصلاة , ولم يؤتوا الزكاة فليسوا بإخوة لنا.والأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية , فلا تنتفي بالفسوق , والكفر دون الكفر , ألا ترى إلى قوله تعالى (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) البقرة 178 , فجعل الله القاتل عمداً أخاً للمقتول , مع أن القتل عمداً من أكبر الكبائر.
ثم ألا تنظر إلى قوله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) الحجرات9 - 10 , فأثبت الله تعالى الأخوة بين الطائفة المصلحة , والطائفتين المقتتلتين , مع أن قتال المؤمن من الكفر كما ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) , لكنه كفر لا يخرج من الملة , إذ لو كان مخرجاً من الملة , ما بقيت الأخوة الإيمانية معه , والآية الكريمة قد دلت على بقاء الأخوة الإيمانية مع الاقتتال.
وبهذا علم أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة , إذ لو كان فسقاً أو كفر دون كفر , ما انتفت الأخوة الدينية به , كما لم تنتف بقتل المؤمن وقتاله , ولكن: هل تارك الزكاة كافراً كما دل عليه مفهوم آية التوبة؟
الجواب: أن تارك الزكاة لا يكفر – مع أن بعض أهل العلم قال بتكفيره – ولكنه يعاقب بعقوبة عظيمة , ذكرها الله تعالى في كتابه , وذكرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنته , ومنها ما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه , أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ذكر عقوبة مانع الزكاة , وفي آخره , ثم يرى سبيله , إما إلى الجنة وإما إلى النار , وقد رواه مسلم في " باب مانع الزكاة " وهو دليل على أنه لا يكفر , إذ لو كان كافراً ما كان له سبيل إلى الجنة.
فيكون منطوق هذا الحديث مقدماً على مفهوم آية التوبة , لأن المنطوق مقدم على المفهوم , كما هو معلوم في أصول الفقه.
وأجاب القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة: بإن هذا الدليل وهو إستدلالكم بقول الله جل شأنه: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) التوبة11 وإنكم قلتم إن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين إقام الصلاة، فمن لم يقم بها، فلا يعد أخاً لنا في الدين إلى آخر ما ذكرتموه من أن الأخوة في الدين لا تنتفي إلا حيث يخرج المرء من الدين بالكلية , فلا تنتفي بالفسوق , والكفر دون الكفر , و يمكن الرد عليه من وجهين:
أحداهما:
أنه قرن بالصلاة الزكاة، فهل من تاب وأقام الصلاة لكنه لم يزك لا يكون أخاً في الدين عليه ما على المسلمين، وله ما للمسلمين؟!
فإن قلتم: لا، بل هو أخ في الدين!
قلنا لكم: ما هو دليل التفريق في الآية بين الصلاة والزكاة، وهما مذكورتان بالترتيب والتساوي عقيب التوبة؟
¥