وإذا وجد كلمة مشتبهة سأل المستفتي عنها ونقَّطها وشكلها، وكذا إن وجد لحناً فاحشاً أو خطأ يحيل المعنى أصلحه، وإن رأى بياضاً في أثناء سطر أو آخره خط عليه أو شغله ; لأنَّه ربما قَصَد المفتى بالإيذاء، فكتب في البياض بعد فتواه ما يفسدها، كما بلي به القاضي أبو حامد المروروذي.
الخامسة: يستحب أن يقرأها على حاضريه ممّن هو أهل لذلك، ويشاورهم ويباحثهم برفق وإنصاف، وإن كانوا دونه وتلامذته؛ للاقتداء بالسلف، ورجاء ظهور ما قد يخفى عليه، إلا أن يكون فيها ما يقبح إبداؤه، أو يؤثر السائل كتمانه، أو في إشاعته مفسدة.
السادسة: ليكتب الجواب بخط واضحٍ وسط، لا دقيق خاف، ولا غليظ جاف، ويتوسط في سطورها بين توسيعها وتضييقها، وتكون عبارة واضحة صحيحة تفهمها العامة ولا يزدريها الخاصة.
واستحب بعضهم أن لا تختلف أقلامه وخطه ; خوفاً من التزوير ; ولئلا يشتبه خطه، قال الصيمري: قل ما وجد التزوير على المفتي ; لأن الله تعالى حَرَسَ أمر الدين.
وإذا كتب الجواب أعاد نظره فيه ; خوفاً من اختلال وقع فيه، أو إخلال ببعض المسؤول عنه.
السابعة: إذا كان هو المبتدي فالعادة قديماً وحديثاً أن يكتب في الناحية اليسرى من الورقة.
قال الصيمري وغيره: وإن كتب من وسط الرقعة أو حاشيتها فلا عتب عليه، ولا يكتب فوق البسملة بحال، وينبغي أن يدعو إذا أراد الإفتاء.
وجاء عن مكحول ومالك -رحمهما الله - أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ويستحب الاستعاذة من الشيطان، ويسمي الله تعالى ويحمده، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: (رب اشرح لي صدري) الآية ونحو ذلك.
قال الصيمري: وعادة كثيرين أن يبدءوا فتاويهم: (الجواب وبالله التوفيق)، وحذف آخرون ذلك، قال: ولو عمل ذلك فيما طال من المسائل واشتمل على فصول، وحذف في غيره، كان وجهاً.
قلتُ: المختار قول ذلك مطلقاً، وأحسنه الابتداء بقول: (الحمد لله)، لحديث: (كُلُّ أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أجذم)، وينبغي أن يقوله بلسانه ويكتبه، قال الصيمري: ولا يدع ختم جوابه بقوله: (وبالله التوفيق)، أو: (والله أعلم)، أو: (والله الموفق)، قال: ولا يقبح قوله: (الجواب عندنا)، أو: (الذي عندنا)، أو: (الذي نقول به)، أو: (نذهب إليه)، أو: (نراه كذا)، لأنه من أهل ذلك، قال: وإذا أغفل السائل الدعاء للمفتي أو الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الفتوى ألحق المفتي ذلك بخطه، فإن العادة جارية به.
قلتُ: وإذا ختم الجواب بقوله: (والله أعلم) ونحوه مما سبق فليكتب بعده: كتبه فلان، أو: فلان بن فلان الفلاني، فينتسب إلى ما يعرف به من قبيلة أو بلدة أو صفة، ثم يقول: الشافعي، أو: الحنفي مثلاً، فإن كان مشهوراً بالاسم أو غيره فلا بأس بالاقتصار عليه. قال الصيمري: ورأى بعضهم أن يكتب المفتي بالمداد دون الحبر خوفاً من الحك، قال: والمستحب الحبر لا غير.
قلتُ: لا يختص واحد منهما هنا بالاستحباب، بخلاف كتب العلم، فالمستحب فيها الحبر ; لأنها ترادُ للبقاء، والحبر أبقى.
قال الصيمري: وينبغي إذا تعلقت الفتوى بالسلطان أن يدعو له فيقول: (وعلى ولي الأمر أو السلطان أصلحه الله أو سدده الله أو قوى الله عزمه أو أصلح الله به، أو شد الله أزره)، ولا يقل: (أطال الله بقاءه)، فليست من ألفاظ السلف.
قلتُ: نقل أبو جعفر النَّحَّاس وغيره اتفاق العلماء على كراهة قول: (أطال الله بقاءك)، وقال بعضهم: هي تحية الزنادقة، وفي صحيح مسلم في حديث أم حبيبة رضي الله عنها إشارة إلى أن الأولى ترك نحو هذا من الدعاء بطول البقاء وأشباهه.
الثامنة: ليختصر جوابه ويكون بحيث تفهمه العامة.
قال صاحب الحاوي: يقول: يجوز، أو لا يجوز، أو حق، أو باطل.
وحكى شيخه الصيمري عن شيخه القاضي أبي حامد أنه كان يختصر غاية ما يمكنه، واستفتي في مسألة آخرها: يجوز أم لا؟ فكتب: (لا، وبالله التوفيق).
التاسعة: قال الصيمري والخطيب: إذا سئل عمن قال: (أنا أصدق من محمد بن عبد الله)، أو (الصلاة لعب)، وشبه ذلك، فلا يبادر بقوله: هذا حلال الدم أو: عليه القتل، بل يقول: إن صح هذا بإقراره، أو بالبينة، استتابه السلطان، فإن تاب قبلت توبته، وإن لم يتب فعل به كذا وكذا، وبالغ في ذلك وأشبعه.
¥