ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[07 - 03 - 06, 09:04 م]ـ
مخطوطة «النصيحة» وناشرها الأول
ذكر الدكتور بشار عواد معروف البغدادي (1) أن النسخة التي هي بخط ابن قاضي شهبة (ت851 هـ) في دار الكتب المصرية ورقمها (18823 ب) وقال إن منها نسخة بدار الكتب الظاهرية، ورقمها (1347)، ولم يتبين لي إن كان يعني أنها بخط ناسخ آخر، أو أنها صورة عن الأولى.
وقد حصلت على التي بدار الكتب المصرية وهي التي كان يملكها الكوثري (ت 1371 هـ) وعليها كان اعتماده لمّا نشرها سنة: 1347 هـ ثم أهداها إلى دار الكتب المذكورة، ولم ينس أن يلحق بها كلمة زاد بها وضر «النصيحة» وضراً، وأنا أسوقها لأمانة العلم:
«كلمة في الرسالة التي بعث بها الحافظ الذهبي
إلى الشيخ أحمد بن تيمية الحراني تحذيراً له عن
الإصرار في الشذوذ عن جماعة أهل العلم
في مسائل خطرة (!!)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد: فدونك رسالة بعث بها الذهبي إلى أحمد بن تيمية الحراني ينصحه فيها، ويحذره عواقب إصراره على الشذوذ عن جماعة أهل العلم في مسائل اعتقادية وعملية خطرة (!!).
كنت ظفرت بتلك الرسالة، منقولة بخط التقي بن قاضي شهبة، ضمن دشت (1) عرضه الأستاذ السفرجلاني (1) للبيع، فبادرت إلى شرائها بثمن يتناسب مع قيمة هذه الوثيقة الثمينة حتى تم عرضها لأنظار الفاحصين بنشرها مع (زغل العلم) للذهبي.
ثم ارتأيت إهداء الأصل إلى دار الكتب العربية الكبرى الملكية بمصر، ليحفظ بها حتى يتمكن الباحثون من الاطلاع عليها متى شاؤوا ذلك.
وقد ذكر ابن قاضي شهبة في صدر الرسالة: أنه نقلها من خط البرهان بن جماعة، المنقول من خط الحافظ أبي سعيد صلاح الدين بن العلائي، المكتوب من خط مرسلها الشيخ شمس الدين الذهبي، ولا ريب في جلالة قدر هؤلاء العلماء.
وثمة عدة كتب بخط ابن قاضي شهبة، بالخزانة الظاهرية بدمشق، وبدار الكتب العربية الكبرى بمصر، ففي إمكان الباحث أن يقارن خط هذه الرسالة بخط تلك الكتب، إن لم يكن من الذين مارسوا خطوط العلماء الأقدمين.
وقد ذكر ابن قاضي شهبة نفسه في (طبقات الشافعية) في ترجمة البرهان ابن جماعة: إني رأيت مجاميع بخط البرهان المذكور فنقلت منها فوائد (1).
وأشار الحافظ السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ) إلى هذه الرسالة، حيث قال في صدد الدفاع عن الذهبي، رداً على من ينسبه لفرط التعصب: «ورأيت له رسالة كتبها لابن تيمية هي في دفع نسبته لمزيد تعصبه مفيدة» بعد أن نقل السخاوي قول الذهبي في (زغل العلم) في حق ابن تيمية: « ... وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون ... » و « ... ثم صار مظلماً مكسوفاً عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجالاً أفاكاً كافراً عند أعدائه ومبتدعاً فاضلاً محققاً بارعاً عند طوائف من عقلاء الفضلاء .. » (1).
وكان أحمد بن تيمية الحراني تمكن من اجتلاب ثقة شيوخ مصره إليه، وثنائهم عليه، بحسن سمته، وطلاقة لسانه، وسيلان قلمه، ثم بدأ يذيع آراءً مستبشعة في المعتقد وفي الفروع، عاماً بعد عام، حتى عيل صبر العلماء الذين كانوا أطروه بأول الأمر، فتخلوا عنه واحداً إثر واحد، بعد أن ذاقوا مرارة تسرعهم في إطرائه قبل أن يختبروه اختباراً كافياً.
وكان في جملة المتسرعين في إطرائه ـ اغتراراً منهم بمظهره في بادىء الأمر ـ الجلال القزويني صاحب (الإيضاح) و (التلخيص)، والكمال الزملكاني، وقاضي القضاة الحريري، وقاضي القضاة القونوي، وأبو الحجاج المزي، والذهبي.
ولما استفحل أمر فِتَنِ ابن تيمية على تعاقب السنين، وأصبح علماء السنة إلباً واحداً ضده، ولم يبق معه سوى شيعته؛ من الحشوية كان الذهبي يسعى في تهدئة الفتنة بأن يعتب تارة أضداده على تشددهم في ابن تيمية، ويدعوهم إلى تخفيف اللهجة نحوه، مراعاة لسعة علمه، كما فعل مع التقي السبكي برسالة أرسلها إليه، على ما أشار إليها الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي، حيث ذكر صدر جواب السبكي عنها (1).
وبأن يرسل مرة أخرى هذه الرسالة إلى ابن تيمية نفسه، ينصحه فيها كما ترى، فها هو الأصل في ورقتين بقطع الثمن في صفحتين وثلث صفحة، بخط التقي بن قاضي شهبة، وحيث إن الأصل صعب القراءة لكثير من القراء ارتأيت أن أكتب صورة الأصل، بعد الورقتين المذكورتين. والله هو الهادي.
¥