وهؤلاء الذين يكونون على هذه الصفة هم أعداء الحق، وهم موجودون في كل ملّة ومذهب، يجْنون على إخوانهم وعشرائهم ورفقائهم كل جناية أعظم من أختها، ثم إن القوم المجاورين لهم والمناسبين والمصاحبين يعظم عليهم صنيعهم، ويتبرّمون من أفعالهم وأقوالهم لكن في الغالب يحصل النشب ويعز الخلاص، فتلزمهم مساوئهم وتلصق بهم عللهم ولا يستطيعون فكاكاً، فتنسب تلك الأمور إلى القوم وهم لها كارهون .. » (1).
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[11 - 03 - 06, 12:13 م]ـ
ويُفهم أن ابن السَّرَّاج كان يتابع أخبار أبي العباس رحمه الله، ويطلب مصنّفاته وفتاواه، يُفهم ذلك من غير ما موضع من كلامه، من ذلك قوله: « .. لا كالذي يأخذ الأشياء بالعنف والغلظة وعدم الرفق، وكثرة الشقشقة واللقلقة ودعوى التمعلم (كذا) والتحذيق، والفوز بالدرجة العليا، والتقدم على السابقين، والرد على الأئمة السابقين، بغير خبرة ولا دراية تصلح للعارفين، مثل من أنكر على مشهد الحسين، والست نفيسة رضي الله عنهما بالديار المصرية، فلا يلتفت أحد إليه، وكان الصواب معهم ... » (1).
وأكثر ما يلفت انتباه المتأمل في (التشويق) و (التفاح) كثرة الجمل الدعائية بالهلاك على شخص لا يسمى في أكثر الأحوال، وعلى أتباعه، والمقصود هو: ابن تيمية وتلاميذه، كما يتضح بأقل تأمل، فعند كلامه على الغزالي، والفخر الرازي، قال: « ... فليمت كمداً ضدهما وشانئهما بالرغم والهوان، والذل والخسران، فليس هو من أهل الإمكان ولا الإيمان» (1).
وقال تعليقاً على حكاية من حكايات أوليائه: « ... وكم لمثل هذه الحكاية من مثل وهم يسمعون ولا يرجعون ويكابرون، وفي المتفقهة وبعض الفضلاء الظاهرية اليوم من قد أعجبته نفسه، وغرته معرفته ببعض ( ... ) (1) فاستهان الأمر، وتعرض لقدح هذه الطائفة الإإإهية وصرح به في وقت، وكله حسد نفساني، ونظر حرماني، والوقت يقتضي ذلك لرذالته وفحش أحواله، فاختفى الفقراء المحققون فيه غالباً، وتسلط عليهم من جهلهم، فأصبح لهم ثالباً، ولِما لا يليق بهم إليهم ناسباً، ولشقاوته بعداوتهم كاسباً. تباً له ولأمثاله، والله يباعد بيننا وبين أشكاله آمين» (1).
وقال: « ... ولا تغتر بمن يذكر ذلك ومثله، ويجعله من أفعال الشيطان، فإنه شخص قد الْتبس عليه الأمر، واعتقد أنه ناصح لهذه الأمة، وأنه يزيل عنها كل ما يجب إزالته، ويقرر لها كل ما يمكن تقريره، وهو ـ بالله العظيم ـ معكوس في طريقه، ممكور به قد أضل الخلق حسب طاقته، وفرق كلمتهم حسب قدرته، ولقد عظم ضرره، وتطاير لمن خالفه شرره.
فيا أسفا عليه وعلى أمثاله كيف ضاعت أعمارهم، وخابت مساعيهم، ووضعوا الشيء في غير موضعه، وهلكوا وأهلكوا، ولم يبق للموعظة فيهم مجال، ولا للنصح عندهم محل، إنا لله وإنا إليه راجعون» (1).
وقال تعليقاً على (كرامة) من (كرامات) يوسف القميني: « ... ونقول إن مثل هذه الواقعة الغريبة لو جرت عند الكفرة والضُّلاّل من الخلق، لآمنوا بها، واعتقدوا الولاية في الفاعل لذلك وأكرموه وبجلوه ورفعوه، ويكون في بلاد الإسلام أصحاب الدين القيم من يدّعي العلم بيد القطبية، في العلوم الشرعية والعقلية وغيرها، ثم ينكر ذلك ويقول: إنه من المنكرات وإن فاعله ليس بشيء أصلاً.
وكان في أيامنا من يشبهه (أي يوسف القميني) في ذلك، ومنهم شخص يقال له: الشيخ إبراهيم المُوَلّه وله أحوال عظيمة، وكرامات ظاهرة، فلا برح إلى أن أهانه وضربه، ومن لزم ذلك الرجل لم يؤاخذه ظاهراً، وحصل عند المؤمنين من ذلك أذى عظيماً، وبالله قد عاب علينا مخالفوا ديننا، ويحق لهم ذلك ولا قوة إلا بالله» (1).
وهذا القلندري الذي ذكره أورده ابن كثير رحمه الله تعالى في تاريخه فقال: «إبراهيم الموله (ت725هـ) الذي يقال له القميني لإقامته بالقمامين .. ، وربما كاشف بعض العوام، ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة وقد استتابه الشيخ تقي الدين بن تيمية وضربه على ترك الصلوات، ومخالطة القاذورات وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة» (1).
وقال ابن السَّرّاج: « ... وقد نبغ في زماننا من يدّعي العلم والفضيلة، ونصب نفسه لقدحهم ووصفهم بكل قبيحة ورذيلة، وجعل ما ينقل عنهم من هذه الفضائل أو يروى من محاسنهم مما يتمناه كل سائل إما خيالاً شيطانياً أو محالاً بهتانياً.
هكذا قال بقلمه ولسانه، ثم إنه أولاً كان يشيع بأن ذلك يقوله في قوم لا يتبعون الكتاب والسنة، ثم إنه جعل الجميع على غير الكتاب والسنة، وأخذ هذه الكلمة العظيمة، وجعلها ترساً يهول بها على الخلق، فمن سمع ذلك قال: معذور!!
ولم يعلموا أنه ينسبهم إلى الباطل بزعمه، وأخرجهم عن الحق ببغيه. وكيف لا يكون كما قلناه من جُملة قدحه الشبلي (ت334هـ) ومن والاه. طهّر الله الأرض من أمثاله وأراح العباد والبلاد من فساد أمثاله آمين» (1).
وقال عدوّ نفسه: « ... ولقد أحسن الشيخ الحافظ أبو نعيم الأصفهاني (ت430هـ) ـ رحمة الله عليه ـ وذكر في كتابه (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) من ذلك شيئاً كثيراً ليس كغيره من هؤلاء النابغين ( ... ) (1) في زماننا المدّعين قطبية العِلْم بل العَالَم، ممن قد أعجبته نفسه الخسيسة حتى قدح علماء الأمة، وخطّأ خلاصة الأئمة، قال عن هذا الحافظ أبي نعيم وأمثاله: إنه لسذوجتهم، وحسن ظنّهم، وقلّة علمهم، وعدم تمكّنهم، غلب عليهم حب شيء فأطنبوا في وصفه بغير تدبر.
ولما كان ممن سبقه بالفضائل؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت261هـ) صاحب المسند الصحيح رحمة الله عليه قال: وهل كان إلا رجلاً محدّثاً. إلى غير ذلك مما لا يوصف ولا يحكى. أدرك الله الإسلام بلطفه وعجّل لهم الخلاص من مثل هذا القائل، وزيغه وفحشه وحيفه آمين» (1).
قلت: شيخ الإسلام أعلم بأقدار الرجال من هذا الرفاعي التائه، وهو يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
¥