وعَن عِمرانَ بنِ نِمرَانِ عَن أبي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ: أنَّهُ كَانَ يَسِيرُ في العَسكَرِ فَيَقُولُ:"ألا رُبَّ مُبَيِّضٍ لثِيَابِهِ مُدَنِّسٍ لِدِينِهِ، ألا رُبَّ مُكرِمٍ لِنَفسِهِ وَهُوَ لَهَا مُهِينٌ، ادرَؤا السَيِئَاتِ القَدِيمَاتِ بِالحَسَنَاتِ الحَدِيثَاتِ، فَلَو أنَّ أحَدَكُمْ عَمِلَ مِنْ السَيئَاتِ مَا بَينَهُ وبَينَ السَمَاءِ ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً؛ لَعَلَتْ فَوقَ سَيئاتِهِ حَتى تَقهَرَهُنَّ" ().
وعَن قَتادَةَ قَالَ: قَالَ أبو عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ: "وَدَدتُ أنِّي كُنتُ كَبشَاً فَيَذبَحُنِي أهلِيْ فَيَأكُلُونَ مَرَقِيْ" ().
وعَن خَالِدٍ بنِ مَعدَان عَن أبي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ قَالَ: "مَثَلُ قَلبِ المُؤمِنِ مَثَلُ العُصفُورِ يَتَقَلَّبُ كُلَ يَومٍ كَذَا وَكَذَا مَرَّةً" ().
ذِكرُ خَبَرِ طَاعُونِ عِموَاسِ وَوَفَاةُ َأبِي عُبَيْدَةَ ?:
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ? أنَّ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ? خَرَجَ إلى الشَامِ حَتَى إذا كَانَ بِسَرْغ () لَقِيَهُ أمَرَاءُ الأجنَادِ: َأبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأصحَابُهُ فَأخبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قَد وَقَعَ بِأرضِ الشَامِ.
قالَ ابنُ عَبَّاس: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ ليَ المُهَاجِرينَ الأوَّلينَ. فَدَعَاهُم فَاستَشَارَهُم وَأخبَرَهُم أنَّ الوَبَاءَ قَد وَقَعَ بِالشَامِ، فَاختَلَفُوا: فَقَالَ بَعضُهُم: قَد خَرَجتَ لأمْرٍ، وَلا نَرىْ أنْ تَرجِعَ عَنهُ، وَقَالَ بَعضُهُم: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ، وَأصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ?، وَلا نَرَى أنْ تُقدِمَهُم عَلَى هَذَا الوَبَاءِ. فَقَالَ: ارتَفِعُوا عَنِّي.
ثُمَّ قَالَ: ادعُ ليَ الأنصارَ. فَدَعَوتُهُم، فَاستَشَارَهُم، فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُهاجِرينَ، واختَلَفُوا كاختِلَافِهِم، فَقَالَ: ارتَفِعُوا عَنِّي.
ثُمَّ قَالَ: ادعُ ليَ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِن مَشيَخَةِ قُريشٍ؛ مِن مُهاجِرَةِ الفَتحِ. فَدَعَوتُهُم، فَلم يَختَلِف مِنهُم عَليهِ رَجُلانِ، فَقَالُوا: نَرَى أنْ تَرجِعَ بِالنَّاسِ وَلا تُقدِمَهُم عَلَى هَذَا الوَبَاءِ.
فَنَادَى عُمَرُ في النَّاسِ: إنِّي مُصبِحٌ عَلى ظَهرٍ فَأصبحُوا عَليهِ، قَالَ أبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ: أفِرَارَاً مِن قَدَرِ اللهِ؟! فَقَالَ عُمَرُ: لَو غَيرَكَ قَالَهَا يَا أبَا عُبَيدَةَ! نَعم، نَفِرُ مِن قَدَرِ اللهِ إلى قَدَرِ اللهِ، أرَأيتَ لَو كَانَ لَكَ إبلٌ هَبَطَتْ وَادِياً لَه عَدوَتَان: إحدَاهُمَا خَصبَةٌ والأُخرَى جَدْبَةٌ، أليسَ إنْ رَعَيَتْ الخَصبَةَ رَعَيَتْهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإنْ رَعَيَتْ الجَدْبَةَ رَعَيَتْهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبدُ الرحمنِ بنُ عَوفٍ -وَكَانَ مُتَغَيِّبَاً في بَعضِ حَاجَتِهِ- فَقَالَ: إنَّ عِندِي فِي هَذَا عِلمَاً؛ سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: "إذا سَمِعتُم بِهِ بِأرضٍ فَلَا تَقدُمُوا عَلَيهِ، وَإذِا وَقَعَ بِأرضٍ وَأنتُم بِهَا فَلَا تَخرُجُوا فِراراً مِنهُ".
قال: فَحَمِدَ اللهَ عُمَرُ، ثُمَّ انصَرَفَ ().
وَقَد حَاوَلَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ? أنْ يَثنِيَ أبَا عُبَيدَةَ عَن رَأيِهِ، وَلَكِنَّهُ أصَرَّ عَلَى البَقَاءِ مَعَ جُندِهِ، فَعَن طَارِقِ بنِ شِهَابِ ? قَالَ: أتَانَا كِتَابُ عُمَرَ لَمَّا وَقَعَ الوَبَاءُ بِالشَامِ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلى أَبِي عُبَيدَةَ:"أنَّهُ قَد عَرَضَت لِي إليكَ حَاجَةٌ لا غِنَى لِي بِكَ عَنهَا فَإذَا أتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَإنِّي أعَزِمُ عَلَيكَ إنْ أتَاكَ لَيلاً أنْ لا تُصبِحَ حَتَّى تَركَبَ، وَإذِا أتَاكَ نَهَارَاً أن لا تُمسِي حَتَى تَركَبَ إليَّ"، فَلمَّا قَرَأ الكِتَابَ قَالَ: "يَرحَمُ اللهُ أمِيرَ المُؤمِنينَ! يُرِيدُ بَقَاءَ قَومٍ لَيسُوا بِبَاقِينَ! "
قَالَ: ثُمَّ كَتَبَ إليهِ أبُو عُبَيدَةَ: "إنِّي في جَيشٍ مِن جُيُوشِ المُسلِمِينَ، لَستُ أرغَبُ بِنَفسِي عَن الذِي أصَابَهُم". فَلَمَّا قَرَأ الكِتَابَ استَرجَعَ- وفي رِوَايَةٍ: بَكَى- فَقَالَ النَّاسُ: مَاتَ أبُو عُبَيدَةَ؟ قَالَ: "لا، وكأنْ قَد! ".
¥