وقوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُك} , يعني: إذا أقمت الصلاة نرزقك من حيث لا تحتسب, وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} - إلى قوله-: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين} , ولهذا قال: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُك} وقال الثوري: "لا نسألك رزقاً, يعني لا نكلّفك الطلب".
وقال ابن أبي حاتم بسنده إلى هشام عن أبيه "أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا، فرأى من دنياهم طرفا، فإذا رجع إلى أهله فدخل الدار قرأ: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْك} - إلى قوله-: {نَحْنُ نَرْزُقُك} , ثم يقول: "الصلاة الصلاة رحمكم الله".
وقال ابن أبي حاتم بسنده إلى ثابت قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته خصاصة نادى أهله: "يا أهلاه صلوا صلوا"و قال ثابت: "وكانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة".
وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: "يا ابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسدّ فقرك".
وروى ابن ماجه من حديث ابن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من جعل الهموم هما واحداً همّ المعاد كفاه الله همّ دنياه، ومن تشعّبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أيّ أوديته هلك".
وروى أيضا من حديث ثابت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كانت الدنيا همّه فرّق الله عليه أمره وجعل فقرة بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلاّ ما كتب له, ومن كانت الآخرة نيته جمع له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة".
وقوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}: أي وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة لمن اتقى، وفي الصحيح أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت الليلة كأنّا في دار عقبة بن رافع, وأنا أتينا برطب من رطب ابن طاب، فأوّلت ذلك أنّ الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأنّ ديننا قد طاب".أهـ
شروح وإيضاح:
1 - قوله: "كان يبيت عنده أنا ويرفأ" يظهر لي في هذه العبارة خلل إلاّ إذا أوّلناها على أن اسم كان ضمير الشأن، وجملة (يبيت) خبرها, وحتى على هذا التأويل يبقى الخلل كما هو، إذ لا يقال: "يبيت أنا"، فلعله تحريف من بعض النساخ، والصواب: "كنا نبيت عنده أنا ويرفأ"، ويرفأ اسم علم كيزيد ويشكر.
2 - قوله: " فربما لم يقم" يعني أن عمر رضي الله عنه كان له وقت من الليل يتهجّد فيه، أي يصلي النافلة بالليل، وكان خادماه زيد ابن أسلم ويرفأ يراقبان قيامه، وفي بعض الأحيان كان يتأخر عن القيام، ولعل ذلك لغلبة نوم، وكان إذا قام لصلاة النافلة بالليل يقيم أهل بيته للاشتراك معه في العبادة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أمره الله أن يأمر أهله بالصلاة ويصبر عليها، وستأتي زيادة بيان لهذا المعنى.
3 - فهم المفسرون من قوله تعالى: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُك} أن من لم يشغله طلب الرزق عن صلاته عناية بها ومحافظة عليها رزقه الله وأغناه بفضله، وأنّ من ظنّ أنّ المحافظة على الصلاة في أوقاتها تُنقص من رزقه أو تمنعه, ملأ الله قلبه همّاً وغمّاً, ولم يأته من الرزق إلاّ ما كتب له كما سيأتي في الحديث صريحاً.
4 - قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَاْ أُرِيْدُ أَنْ يُطْعِمُونَ إِنَّ اْلله هُوَ اْلرَّزَّاقُ ذُو اْلقُوَّةِ اْلمَتِينِ} , أخبر الله سبحانه أنه خلق الخلق لغرض واحد يعود عليهم بالخير والسعادة, وذلك الغرض هو عبادته وحده لا شريك له، وهو غنيٌّ عن العالمين، وهم محتاجون إليه، فمن اشتغل بالغرض الذي خلقه الله لأجله فقد أفلح وسعد ورشد واهتدى، وقد ضمن الله رزقه يأتيه من حيث لا يدري, ومن لم يثق بوعد الله، وشغله طلب الرزق عما خلق له شتت الله شمله، وأكثر همّه، ولم ينل من الرزق إلاّ ما قدّر له.
¥