بقلم الدُكتُور تقيِّ الدِّين الهلاليِ
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية
نحمد الله تعالى ونصلي ونسلم على محمد رسوله وعلى آله وصحبه.
في هذه المسألة اليوم ثلاثة مذاهب متباينة:
المذهب الأول:
عدم تعليمهن أكثر من قراءة المصحف بدون فهم.
قال أصحاب هذا المذهب: إنه أحسن المذاهب وأولاها بالصواب، وهو الذي وجدنا عليه آباءنا وهم كانوا أحسن منا، وتعليم النساء يفسد أخلاقهن، فإن المرأة التي لا تقرأ ولا تكتب تكون بعيدة عن متناول شياطين الإنس، فإن القلم كما لا يخفى أحد اللسانين، فبعدم معرفتها للقراءة والكتابة تأمن شر هذا اللسان وبضرب الحجاب المتين عليها تأمن شر اللسان الثاني، فيتم لها الأمن.
وكم رأينا من متعلمات لم يأتهن الشر إلا من قبل تعلمهن، وهذا في زمان الإسلام والعفاف والأنفة العربية، وأما في هذا الزمان فقد بلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع. فإن معرفة الفتاة للقراءة توصل إلى ذهنها جميع ما يقع في الدنيا من الفساد والمخادنة وتملأ فكرها بهواجس خبيثة كانت في عافية منها.
وفي الحديث: "لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور" فهذه هي التربية الصحيحة، فتعليم الكتابة ذريعة إلى المكاتبة مع الفجار, وإسكانهن الغرف ذريعة إلى التخاطب ولو بالإشارة مع الفساق, وتعليمهن المغزل فيه شغل نافع لهن بما فيه من رياضة البدن والفكر وبما يثمره الغزل من المال الذي يستعن به على معاشهن، وتعليمهن سورة النور يحملهن على العفاف، لأن فيها حد الزنا والزجر عنه، وحد القذف، وتوبيخ فاعله، وفيها حكم اللعان وما يلحق صاحبيه من العار والخزي، وفيها قصة الإفك والمرأة الظاهرة البريئة، وبيان ما أعد الله لمن يقذف المحصنات الغافلات عن الشر المؤمنات بالله من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وفيها أمر الله للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر وعدم إظهار زينتهن والنهي عن التبرج بالزينة، وهذا والله نعم الأدب للفتاة، ولو عمل الناس بهذا الحديث لصلحت حال النساء ورأى الناس من الخير والعفاف ما لم يكن لهم به عهد منذ زمان بعيد.
المذهب الثاني:
تعليمهن وتربيتهن على منهاج دعاة التفرنج, قال أصحاب هذا المذهب: نحن لا نريد أن نطيل القيل والقال، ونضيع أوقاتنا في الجدال الفراغ، هناك أمم راقية حرة سعيدة في حياتها. وهناك أمم أخرى منحطة مستعبدة شقية في حياتها، وقد نظرنا فوجدنا أن سبب سعادة تلك وشقاء هذه هو العمل والمال، لذلك عزمنا على الاقتداء بالأمم الراقية، لنكون مثلهم: نقتدي بهم في التعلم والتعليم والتربية والتفكير والزي والمعيشة ونظام الحكم وفي كل شيء. ومن ذلك تعليم المرأة وحرية المرأة ومساواتها للرجل في كل شيء ممكن بلا قيد ولا شرط. فهذا الذي نؤمن به ونعمل على تنفيذه وقولكم بدفن النساء في قبور البيوت ومنعهن من التصرف في أموالهن وشؤونهن، ومنعكم لهن حتى من التنفس في الهواء ومن رؤية طريقهن إذا دعتهن ضرورة للخروج, بل تغاليتم حتى جعلتم صورتهن عورة ونقصتم حقهن في الميراث فجعلتموه على النصف ويا ليت النصف الباقي يسلم لهن، فإنه يضيع في أغلب الأحوال، لأن لزومها الحجاب وكون أخيها أو أبيها أو ابن عمها هو الرقيب عليها يضيع عليها النصف الذي تركتم لها، لأن هذا القريب غالبا يعتدي عليها فيأكل مالها, والحجاب يمنعها من المطالبة بحقها فتحرم من كل شيء وتبقى في ظلمات سجنها تشكو إلى ربها ظلم الرجال وجورهم.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يحرم العالم من نصفه، سواء قلنا كما يقول الأوروبيون إن هذا النصف هو الأفضل، أو قلنا إنه مساو، وكيف تحيا أمة نصفها ميت تماما ونصفها الآخر أشل بسبب الجهل والانحطاط, والرقي لا يتجزأ، فإما أن يعم الآباء والأمهات والأبناء، وإما أن يكون الجميع منحطين، وهل سمعت بأمة رجالها مهذبون متمدنون ونساؤها في غاية الجهل والتوحش والبعد عن الحياة؟.
ولماذا لا تصير المرأة حاكمة وملكة ورئيسة ومحامية ونائبة في مجلس النواب, وعينا في مجلس الأعيان؟، أليس سبيل ذلك كله هو العقل والخلق وقوة الذهن وحسن التدبير؟ وهل تتجرءون أن تدّعوا أن المرأة محرومة من العقل والتفكير لا تصلح لشيء إلا للنتاج كالفرس والبقرة؟ إذن لقد نزلتم بأمهاتكم إلى أسفل سافلين.
¥