تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، والرؤيا تبشر ولا تغر، وبين هذه الرؤيا التي دعا لي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يختم الله لي بالإيمان بتأمينه على دعائي والرؤيا التي قدمت ذكرها ولم يدع لي فيها، عشرون سنة، وتأولت اختلاف الصورة وعدم الدعاء في الرؤيا الأولى والدعاء في الرؤيا الثانية بما كنت عليه من الشرك في العبادة وبما صرت إليه من توحيد الله تعالى واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم.

سبب خروجي من الطريقة التجانية:

لقد كنت في غمرة عظيمة، وضلال مبين، وكنت أرى خروجي من الطريقة التجانية كالخروج من الإسلام. ولم يكن يخطر لي ببال أن أتزحزح عنها قيد شعرة، وكان الشيخ عبدالحي الكتاني عدواً للطريقة التجانية لأنه كان شيخاً رسمياً للطريقة الكتانية، وإنما قلت رسمياً لأن أهل (سلا) أعني الكتانيين أنصار الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني، مؤسس الطريقة الكتانية، لا يعترفون به أي بالشيخ عبد الحي ويقولون إن الاستعمار الفرنسي هو الذي فرضه على الكتانيين فرضاً، والذي حدثني بذلك هو العالم الأديب النبيل الشيخ عبدالله بن سعيد السلوي فإنه كان حامل لواء نصرة الشيخ محمد بن عبدالكبير الكتاني، وكان يعادي أخاه عبدالحي عداوة شديدة ويرميه بالعظائم والكبائر التي لا يسوغ ذكرها هنا والاستطراد بذكر أسباب العداوة بين الشيخين الكتانيين الأخوين يخرج بنا عن الموضوع، أقول مر بنا الشيخ عبد الحي في (وجدة) وأنا عند العالم الأديب الشاعر المتفنن في علوم كثيرة الشيخ أحمد سكيرج، قاضي القضاة بناحية (وجدة)، معلماً لولده الأديب السيد عبدالكريم وابن أخيه السيد عبدالسلام، كنت أعلمهما الأدب العربي بدعوة من الشيخ أحمد سكيرج، فمدحت عبدالحي بقصيدة ضاعت مني ولا أذكر شيئاً منها، ولكنه أعجب بها أيما إعجاب، حتى قال لي عاهدني أنك إذا قدمت (فاساً) تنزل عندي ضيفاً فعاهدته على ذلك. ففي ربيع الأول من سنة أربعين من هذا القرن الهجري سافرت إلى فاس ونزلت عنده. وولد له في تلك الأيام سماه عبدالأحد فالتمس مني نظم أبيات في التهنئة وتاريخ مولده فنظمتها ولا أذكر منها شيئاً، وفي اليوم السابع من مولده عمل مأدبة عظيمة دعا لها خلقاً كثيراً وبعد ما أكلوا وشربوا قاموا (للعمارة) (ذكر بالرقص والتمايل) التي تقدم ذكرها ودعوني أشاركهم في باطلهم فامتنعت لأن من شروط التجاني المخلص أن لا يذكر مع طريقة أخرى ذكرهم وأن لا يرقص معهم. وفي كتاب البغية للشيخ العربي ابن السايح وهو شرح المنية للتجاني ابن بابا الشنقيطي حكاية في وعيد شديد لمن يشارك أصحاب الطرائق الأخرى في أورادهم وأذكارهم وحاصلها أن شخصاً تجانياً ذهب إلى زاوية طريقة أخرى لغرض دنيوي فاستحى أن يبقى منفرداً عنه وهم يذكرون وظيفتهم فشاركهم في الذكر فلما فتح فاه ليذكر معهم أصابه الشلل في فكيه فبقي فاه مفغوراً ولم يستطع سده حتى مات. ولكن الجماعة ألحوا علي وجروني جراً حتى أوقفوني في حلقتهم فرأيت أفواهاً مفغورة من وجوه بعضها فيه لحية سوداء، وبعضها فيه لحيةخطها الشيب، وبعضها أمرد ليس له لحية من الغلمان الذين لم يلتحوا بعد، أما حلق اللحى فلم يكن موجوداً في ذلك الزمن إلا عند الفرنسيين المستعمرين وقليل جداً من حواشيهم وسمعت أصواتاً تنبعث من تلك الأفواه ليس لها معنى في أي لغة بعضها آآآ وبعضها آه آه آه، وبعضها أحن أح أح فاستنكرت تلك الهيئة وقلت في نفسي إن الله لا يرضى بهذه الحالة أن تكون عبادة له لبشاعتها ثم ندمت على ذلك ندامة الكسعي أو الفرزدق حين طلق نوار فقال:

ندمت ندامة الكسعي لما عدت مني مطلقة نوار

وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضرار

وقلت في نفسي كيف يسوغ لي أن أنكر شيئاً حضر مثله خاتم الأولياء القطب سيدي أحمد التجاني فتبت من ذلك الخاطر ولكن جاءني امتحان آخر وذلك أن الشيخ عبد الحي الكتاني قال لي منتقداً: إن الطريقة التجانية مبنية على شفا جرف، وأنه لا ينبغي لعاقل أن يتمسك بها فقلت له: (والطريقة الكتانية التي أنت شيخها)؟ فقال لي كل الطرائق باطلة، وإنما هي صناعة للاحتيال على أكل أموال الناس بالباطل وتسخيرهم واستعبادهم، فقلت إذن أنت تستحل أموال الناس بالباطل وتسخرهم وتستعبدهم، قال: أنا لم أؤسس الطريقة وإنما أسسها غيري، وهذه الأموال التي آخذها منهم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير