[الغربة والغرباء ... للشيخ مالك الأحمد]
ـ[الغرباء الأولون]ــــــــ[21 - 07 - 03, 11:49 م]ـ
الغربة والغرباء
مالك إبراهيم الأحمد
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) (1).
وعن سهل بن سعد الساعدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباَ كما بدأ، فطوبى للغرباء) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: (الذين يَصلُحون إذا فسد الناس) (2) وروي بزيادة بلفظ: (قيل ومن الغرباء؟ قال: النُّزاع من القبائل) (3).
كما روى عبد الله بن المبارك في كتابه الزهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (طوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) (4).
في الحديث الأول بيان مبدأ الإسلام، وأنه بدأ غريباً بين الأديان، وكان أهله غرباء بين الناس، وكان المستجيب له غريباً بين أهله وعشيرته، يؤذى بسبب ذلك ويفتن في دينه، ويعادى على ذلك، وكان المسلمون صابرين راضين بقضاء الله مطيعين لأوامر رسوله حتى قوي الإسلام واشتد عوده في المدينة فزالت غربته عندما انتشر في أرض العرب، وكان أهله هم الظاهرين على من ناوأهم.
وسيعود الإسلام غريباً كما بدأ (كما هو حال زماننا هذا) لقلة المتمسكين به. وهذه الغربة تزداد شيئاً فشيئاً بسبب دخول فتنة الشبهات والشهوات على الناس. أما فتنة الشبهات فقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة (5).
وأما فتنة الشهوات فقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك حيث قال: (والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم) (6).
أما فتنة الشبهات فينجى منها الطائفة المنصورة المذكورة في الحديث. (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) (7) وهم الغرباء في آخر الزمان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
( .. وقد تكون الغربة في بعض شرائعه، وقد يكون ذلك في بعض الأمكنة. ففي كثير من الأمكنة يخفى عليهم من شرائعه ما يصير به غريباً بينهم لا يعرفه منهم إلا الواحد بعد الواحد. ومع هذا فطوبى لمن تمسك بالشريعة كما أمر الله ورسوله) ا هـ.
قال ابن القيم:
( .. فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون ولقلتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات. فأهل الإسلام في الناس غرباء. والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء. وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء. والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين. هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين).
وقال أيضاً:
(ومن صفات هؤلاء الغرباء -الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وسلم- - التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة. بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده. وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً وأكثر الناس، بل كلهم لائم لهم. فلغربتهم بين هذا الخلق: يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم).
وقال أيضاً:
¥