تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهاً في سنة رسوله، وفهماً في كتابه وأراه ما الناس فيه: من الأهواء والبدع والضلالات، وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله وأصحابه. فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه واذدرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلونه مع متبوعه وإمامه -صلى الله عليه وسلم-، فأما إن دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه: فهناك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل. فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم) (8).

ونجد في كتب السلف مدح السنة وأهلها، ووصفهم بالغرباء.

قال الأوزاعي: (أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة، ترفقوا - يرحمكم الله- فإنكم من أقل الناس «.

وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي:» إني أدركت من الأزمنة زماناً عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريباً كما بدأ، إن ترغب إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا، يحب التعظيم والرئاسة، وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته مخدوعاً صريعاً غرره إبليس قد صعد به إلى أعلى درجة العبادة، وهو جاهل بأدناها، فكيف له بأعلاها، وسائر ذلك من الرعاع، همج عوج، وذئاب مختلسة، وسباع ضارية، وثعالب ضوار).

وقال الآجري في وصفه الغريب: (فلو تشاهده في الخلوات يبكي بحرقة ويئن بزفرة، ودموعه تسيل بعبرة، فلو رأيته وأنت لا تعرفه لظننت أنه ثكلى قد أصيب بمحبوبه وليس كما ظننت، إنما هو خائف على دينه أن يصاب به، لا يبالي بذهاب دنياه إذا أسلم له دينه، قد جعل رأس ماله دينه يخاف عليه الخسران) ا هـ.

وكما بين الحديث أن الغرباء قلة في الأزمان، من يطيعهم قليل ومخالفوهم كثير، وهم صنفان:

أحدهما: من يصلح نفسه عند فساد الناس.

والثاني: من يصلح نفسه ويصلح ما أفسد الناس من السنة وهو أعلى الصنفين وأفضلهما.

والغربة أنواع:

أولها: غربة أهل الحق، أهل الله وأهل الإسلام بين المسلمين وهي الغربة الممدوحة، وأصحابها هم الطائفة المنصورة.

والغربة الثانية: هي غربة الباطل بين أهل الحق وهي غربة مذمومة.

والثالثة: مشتركة لا تحمد ولا تذم وهي الغربة عن الوطن.

صفة الغريب الذي لو أقسم على الله لأبره:

والغريب قد يكون غير مشتهر عند الناس، ولا يأبه به كما ورد في صفة الغريب بعض الأحاديث، منها: حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (طوبى لعبد مغبرة قدماه في سبيل الله عز وجل، شاعث رأسه، إن كانت الساقة كان فيهم، وإن كان في الحرس كان منهم، وإن شفع لم يشفع، وإن استأذن لم يؤذن له، طوبى له، ثم طوبى له) (9).

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رب أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله عز وجل لأبره) (10).

وعن سعد بن أبي وقاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله يحب العبد النقي الغني الخفي) رواه مسلم في صحيحه.

وروى البيهقي في الأسماء والصفات أن عمر بن الخطاب دخل المسجد فوجد معاذ بن جبل جالساً إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم- وهو يبكي فقال له عمر: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن؟ هلك أخوك - لرجل من أصحابه -؟ قال: لا. ولكن حديثاً حدثنيه حبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا في هذا المسجد. فقال: ما هو يا أبا عبد الرحمن؟ قال: أخبرني أن الله عز وجل يحب الأخفياء، الأتقياء الأبرياء، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة (11).

ونختم حديثنا عن الغرباء بقول الآجري -رحمه الله-: (من أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء أبويه وزوجته وإخوانه وقرابته. فإن قال قائل: فلم يجفوني وأنا لهم حبيب وغمهم لفقدهم إياي شديد؟ قيل: لأنك خالفتهم على ما هم عليه من حبهم الدنيا وشدة حرصهم عليها، ولتمكن الشهوات من قلوبهم ما يبالون ما نقص من دينك ودينهم إذا سلمت لهم بك دنياهم، فإن تابعتهم على ذلك كنت الحبيب القريب، وإن خالفتهم وسلكت طريق أهل الآخرة باستعمالك الحق جفا عليهم أمرك، فالأبوان متبرمان بفعالك، والزوجة بك متضجرة فهي تحب فراقك، والإخوان والقرابة قد زهدوا في لقائك. فأنت بينهم مكروب محزون، فحينئذ نظرت إلى نفسك بعين الغربة فأنست بمن شاكلك من الغرباء، واستوحشت من الإخوان والأقرباء، فسلكت الطريق إلى الله الكريم وحدك، فإن صبرت على خشونة الطريق أياماً يسيرة واحتملت الذل والمداراة مدة قصيرة، وزهدت في هذه الدار الحقيرة أعقبك الصبر أن ورد بك إلى دار العافية، أرضها طيبة ورياضها خضرة، وأشجارها مثمرة، وأنهارها عذبة .. ).

الهوامش:

1 - صحيح الجامع الصغير، رقم 1576.

2 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم 1273.

3 - توقف الألباني في تصحيحه وتضعيفه. انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم1273.

4 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم1619.

5 - انظر رواياته في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 204،205.

6 - رواه البخاري في صحيحه.

7 - رواه البخاري في صحيحه.

8 - مدراج السالكين 3/ 194 - 201.

9 - رواه البخاري تعليقاً، والطبراني بإسناد صحيح.

10 - رواه الترمذي وحسنه.

11 - قال محقق كتاب الغرباء: إسناده صحيح، وروي بطرق كثيرة فيها ضعف.

Cd مجلة البيان

موقع المختار الإسلامي

http://www.islamselect.com/index.php?ref=527&pg=mat&CR=21&ln=1&PHPSESSID=15202ef8d3d18183e5aa97ed85c94466 الغربة والغرباء ... للشيخ مالك الأحمد

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير