اجتماع الجرح والتعديل في راوٍ واحد ... للشيخ محمد الأحمد
ـ[الغرباء الأولون]ــــــــ[22 - 07 - 03, 12:07 ص]ـ
اجتماع الجرح والتعديل في راوٍ واحد
محمد بن عبد الله الأحمد
من المحاسن الواضحة لهذه الصحوة المباركة، ومن سماتها الظاهرة: حرصها على صفاء المورد وسلامة الطريق، مما أثمر اهتماماً بالسنة النبوية تحقيقاً ونشراً، ودراسة وفقهاً، وقبل ذلك وبعده، التزاماً ودعوة ومشاركة في هذه المسيرة الراشدة. وهذه الأسطر تعرض موضوعاً مهماً للمشتغلين بدراسة الأسانيد، وهو: العمل عند اجتماع الجرح والتعديل في الراوي الواحد، وهو موضوع أغفله عدد من الباحثين - خصوصاً المعتمدين على كتاب» تقريب التقريب «.
وأتمنى أن يكون في هذه الأسطر بيان لأهمية هذا المبحث في الحكم على الرجال وتصحيح الأحاديث وتضعيفها، فهو ـ مع علم العلل ـ أساس الحكم على الأحاديث.
وفي ثنايا هذه الأسطر تذكير بمنهج أسلافنا في التعامل مع أهل العلم وآرائهم، وإنزالهم المنازل التي يستحقونها، دون إفراط أو تفريط، فلا عصمة لعالم، وليس أخو علم كمن هو جاهل، عسى أن نعي منهجهم فنسير على دربهم.
وقد سلك العلماء في هذا الموضوع ثلاثة طرق:
1 - الجمع بين الأقوال ما أمكن:
وذلك بتنزيل كل قول على أمر خاص، وأوجه الجمع كثيرة يصعب حصرها، منها ما يتعلق بأحوال الراوي في شبابه وكهولته، سفره وإقامته، ضبط صدره وضبط كتابه، بالنسبة لشيوخه وتلاميذه ... وهكذا، وقد ذكر الإمام الحافظ ابن رجب في آخر شرحه» لعلل الترمذي «فصولاً نافعة في هذا الباب.
2 - الترجيح:
وهو اعتماد أحد الأقوال ـ جرحاً أو تعديلاً ـ وطرح ما عداه، واعتماد أحد الأقوال لا يكون جزافاً أو هوى، بل بناءً على أسس وقواعد، منها:
(أ) التثبت من النقل عن الناقد، والتأكد من عبارته:
قال الحافظ ابن حجر: ونقل ابن الجوزي من طريق الكديمي عن ابن المديني عن القطان أنه قال: لا أروي عنه ـ يعني أبان العطار ـ، وهذا مردود؛ لأن الكديمي ضعيف.
وقال في ترجمة بشر بن شعيب الحمصي: قال ابن حبان: كان متقناً ثم غفل غفلة شديدة؛ فذكره في الضعفاء، وروى عن البخاري أنه قال: تركناه.
وهذا خطأ من ابن حبان نشأ عن حذف؛ وذلك أن البخاري إنما قال في تاريخه: تركناه حياً سنة اثنتي عشرة، فسقط من نسخة ابن حبان لفظ حياً، فتغير المعنى.
(ب) النظر في حال الناقد:
من وجوه: تشدداً وتساهلاً، مرتبته في هذا العلم، ومعرفته به، معاصرته للمتكلم فيه زماناً أو مكاناً، مصادره في هذا النقد، مذهبه الاعتقادي، اصطلاحاته النقدية .. إلخ.
ومن الأمثلة: قول الحافظ في ترجمة أحمد بن شبيب الحبطي: ولا عبرة بقول الأزدي لأنه ضعيف، فكيف يعتمد في تضعيف الثقات؟!.
وقال في ترجمة خثيم بن عراك: وغفل أبو محمد بن حزم فاتبع الأزدي وأفرط، فقال: لا تجوز الرواية عنه، ومادرى أن الأزدي ضعيف فكيف يقبل منه تضعيف الثقات؟!.
وقال في ترجمة محارب بن دثار: وقال ابن سعد لا يحتجون به، قلت: ... ولكن ابن سعد يقلد الواقدي، والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق.
ومما يتعلق باصطلاح الناقد: ما قاله الحافظ في ترجمة يزيد بن عبد الله الكندي، قال: عن أحمد أنه قال: منكر الحديث، قلت: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه؛ عرف ذلك بالاستقراء من حاله. أ.هـ.
ومن ذلك اصطلاح البخاري في عبارة: منكر الحديث وفي إسناده نظر.
ومما يتعلق بمعرفة المتكلم بالراوي ما نقله الحافظ في تهذيبه عن أبي أحمد الحاكم أنه قال: وربما يقع له الغلط ـ يعني البخاري ـ لا سيما في الشاميين، ونقله مسلم من كتابه فتابعه على خطئه. [ترجمة أبي عمران الأنصاري].
(جـ) معرفة سبب الكلام ـ جرحاً أو تعديلاً ـ:
وهذا عنصر مهم في الترجيح؛ فقد ردت أقوال أئمة كبار لما عرف سبب كلامهم، فقد يكون السبب اختلاف المذهب ـ بين الناقد والمتكلّم فيه ـ وهذا باب واسع ينبغي تأمله، أو ما يكون بين الأقران من المنافسة التي تؤدي إلى نوع من الميل على الآخر، أو وقوفه على نص أو فعل للمتكلم فيه ولم يفهمه الناقد على وجهه الصحيح، أو يكون كلامه نتيجة ظن مرجوح ... إلى أسباب كثيرة.
وهاك جملة من الأمثلة ـ وهي من مقدمة الفتح أيضاً ـ:
¥