ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 07:54 م]ـ
أي أن الملائكة يبسطون أيدهم بالضرب والعذاب للملائكة حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم؛ ولهذا يقولون لهم {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ}؛ وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والأغلال والسلاسل والجحيم والحميم وغضب الرحمن الرحيم فتتفرق روحه في جسده وتعصى وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ} أي اليوم تهانون غاية الإهانة بسبب تكذيبكم على الله واستكباركم على اتباع آياته والانقياد لرسله1.
يقول الطبري في تفسير هذه الآية: “وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عما تقول رسل الله التي تقبض أرواح هؤلاء الكفار لها، يخبر عنها أنها تقول لأجسامها ولأصحابها أخرجوا أنفسكم إلى سخط الله ولعنته؛ فإنكم اليوم تثابون على كفركم بالله، وقيلكم عليه الباطل وزعمكم أن الله أوحى إليكم ولم يوح إليكم شيئاً، وإنذاركم أن يكون الله أنزل على بشر شيئاً، واستكباركم عن الخضوع لأمر الله وأمر رسوله والانقياد لطاعته، عذاب الهون وهو عذاب جهنم الذي يهينهم فيذلهم حتى يعرفوا صغار أنفسهم وذلتها”2.
ويقول ابن القيم: “فقول الملائكة: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} المراد به عذاب البرزخ، الذي أوله يوم القبض والموت”3.
وأخبر سبحانه وتعالى عن حالهم حين الاحتضار، في سورة أخرى، بقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} 4 فالله جل وعلا يخاطب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 149.
2 جامع البيان في تفسير القرآن 7/ 183.
3 مفتاح دار السعادة 1/ 72.
4 سورة الأنفال، الآيتان 50 وَ 51.
نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم قائلاً له: “ولو تعاين يا محمد حين يتوفى الملائكة أرواح الكفار فتنْزعها من أجسادهم، تضرب الوجوه منهم والأستاه، ويقولون لهم ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم .. ، ذوقوا عذاب الله الذي يحرقكم، هذا العذاب لكم بما قدمت أيديكم، أي بما كسبت أيديكم من الآثام والأوزار، واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم، فذوقوا اليوم العذاب، وفي معادكم عذاب الحريق”1.
يقول ابن القيم: “فهذه الإذاقة هي في البرزخ وأولها حين الوفاة؛ فإنه معطوف على قوله {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} وهو من القول المحذوف مقولة لدلالة الكلام عليه كنظائره، وكلاهما واقع وقت الوفاة”2.
والأدلة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على بشارة الملائكة الكفار بالعذاب، وحزنهم بذلك كثيرة، سبق ذكر كثير منها في المبحث السابق3.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 جامع البيان في تفسير القرآن 10/ 16، 17.
2 مفتاح دار السعادة 1/ 72.
3 وتركت ذكرها هنا خشية التكرار، لأن كثيراً من الأحاديث فيه بشارة المؤمن، والكافر، فذكرتها في مكان واحد؛ بعداً عن تجزئتها.
المبحث الرابع: انقطاع التوبة بحضور الموت
أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أن الذين يعملون السيئات ثم يتوبون فإنه تعالى يقبل توبتهم، حيث قال سبحانه {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} 1 وغيرها من الآيات الكثيرة، ويقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه”لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب عليكم”2، وعن أبي عبيدة بن عبد الله، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”3، وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون”4، وغيرها من الأحاديث الشريفة، فالنصوص الشرعية التي تحث على التوبة كثيرة جداً، إلا أنها غير مقبولة عند الله تعالى إلا حين تتوفر شروطها التي ذكرها العلماء استقراءً من نصوص كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تلك الشروط:
1 - أن تكون التوبة خالصة لوجه الله تعالى، فلا يراد بها الدنيا أو مدح الناس وثناؤهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 سورة النساء، الآية 17.
2 رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة ح4248، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 417 ح3426، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة ح 903، و1951
3 رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة ح4250، وقال عنه الألباني: (حديث حسن) انظر صحيح سنن ابن ماجه 2/ 418 ح3427.
4 رواه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة ح4251، وقال عنه الألباني: (حديث حسن) في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 418 ح3428
¥