ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:01 م]ـ
قبل المعاينة وتحقق الموت نجا من العذاب؛ لأن الإسلام يجب ما قبله1.
ونقل ابن حجر عن الكرماني قوله بأن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الشهادة على عمه كان عند حضور علامات الوفاة، “وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة لم ينفعه الإيمان لو آمن، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم”، ثم قال ابن حجر: “ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة، لكن رجا النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا أقر بالتوحيد، ولو في تلك الحالة أن ذلك ينفعه بخصوصه، وتسوغ شفاعته صلى الله عليه وسلم لمكانه منه، ولهذا قال”أجادل لك بها وأشفع لك) ... ، ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد، وقال (هو على ملة عبد المطلب) ومات على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة له، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره، وكان ذلك من الخصائص في حقه”2، يشير في هذا إلى ما ثبت أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: “ما أغنيت عن عمّك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك” قال صلى الله عليه وسلم “هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار”3.
وقال ابن بطال ت449?: “فإن قال قائل: فأي محاجة يحتاج إليها من وافى ربه بما يدخله به الجنة؟ فالجوا ب: أنه يحتمل وجوهاً من التأويل:
أحدها: أن يكون ظن عليه السلام أن عمه اعتقد أن من آمن في مثل حاله لا ينفعه إيمانه؛ إذ لم يقارنه عمل سواه من صلاة وصيام وزكاة وحج وشرائط الإسلام كلها، فأعلمه عليه السلام أن من قال: لا إله إلا الله عند موته أنه يدخل في جملة المؤمنين، وإن تعرى من عمل سواها.
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن يكون أبو طالب قد عاين أمر الآخرة، وأيقن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 انظر المصدر السابق ص196.
2 المصدر السابق 8/ 506، 507.
3 رواه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب ح3883.
بالموت، وصار في حالة من لا ينتفع بالإيمان لو آمن، وهو الوقت الذي قال فيه: هو على ملة عبد المطلب، عند خروج نفسه، فرجا له عليه السلام إن قال: لا إله إلا الله، وأيقن بنبوته أن يشفع له بذلك، ويحاج له عند الله في أن يتجاوز عنه، ويتقبل منه إيمانه في تلك الحال، ويكون ذلك خاصاً لأبي طالب وحده؛ لمكانه من الحماية والمدافعة عن النبي عليه السلام ...
ويحتمل وجهاً آخر: وهو أن أبا طالب كان ممن عاين براهين النبي عليه السلام وصدق معجزاته، ولم يشك في صحة نبوته، وإن كان ممن حملته الأنفة وحمية الجاهلية على تكذيب النبي ... ، فاستحق أبو طالب ونظراؤه على ذلك من عظيم الوزر وكبير الإثم أن باؤوا بإثمهم على تكذيب النبي عليه السلام، فرجا له عليه السلام المحاجة بكلمة الإخلاص عند الله، حتى يسقط عنه إثم العناد والتكذيب لما قد تبين حقيقته وإثم من اقتدى به في ذلك، وإن كان الإسلام يهدم ما قبله لكن آنسه بقوله: “أحاج لك بها عند الله” لئلا يتردد في الإيمان، ولا يتوقف عليه؛ لتماديه على خلاف ما تبين حقيقته، وتورطه في أنه كان مضلاًَ لغيره.
وقيل: إن قوله”أحاج لك بها عند الله" كقوله”أشهد لك بها عند الله"، لأن الشهادة المرجحة له في طلب حقه؛ ولذلك ذكر البخاري هذا الحديث في هذا الباب بلفظ (الشهادة”1 لأنه أقرب للتأويل، وذكر قوله”أحاج لك بها عند الله) في قصة أبي طالب في كتاب مبعث النبي عليه السلام، لاحتمالها التأويل”2.
ونص بعض أهل العلم على أن الخبر الذي فيه حضور أبي طالب الوفاة مطابق لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ}، وبالتالي فإن الأوضح أن يقال بأن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب، واستدل من قال بهذا القول بأمرين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 أي في باب إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله، من كتاب الجنائز.
2 شرح صحيح البخاري 3/ 344 - 346.
ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:04 م]ـ
الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال”كلمة أحاج لك بها عند الله"، ولم يجزم بنفعها له، ولم يقل: تخرجك من النار.
الثاني: أنه سبحانه أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالشفاعة لعمه مع كفره، وهذا لا يستقيم إلا له، والشفاعة له ليخفف عنه العذاب1.
¥