ويشهد لهذا ما رواه أبو أمامة بن سهل قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير يوماً على عائشة، فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرض مرضه، وكان له عندي ستة دنانير أو سبعة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أفرّقها، فشغلني وجع النبي صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، ثم سألني عنها فقال”ما فعلت الستة ـ قال: أو السبعة؟ ” قلت: لا والله، لقد كان شغلني وجعك، قالت: فدعا بها، ثم صفها في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 سورة فصلت / الآية 23.
2 الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص14.
كفه فقال: "ما ظن نبي الله لو لقي الله عز وجل، وهذه عنده .. " يعني ستة دنانير أو سبعة ـ أنفقيها”1.
يقول ابن القيم تعليقاً على هذا الحديث: “فيالله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله، إذا لقوه ومظالم العباد عندهم؛ فإن كان ينفعهم قولهم: حسناً ظنوننا بك لم يعذب ظالم ولا فاسق، فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فإن النار لا تمسه، فسبحان الله ما يبلغ الغرور بالعبد، وقد قال إبراهيم لقومه {أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} 2، أي ما ظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره، ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه؛ فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله، ويثيبه عليها، ويتقبلها منه فالذي حمله على العمل حسن الظن، فكلما حَسُنَ ظنه حسُنَ عمله، وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز ... ، وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وإما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن”3.
فإن قال قائل: بأن إحسان الظن يتأتى مع سوء العمل، وذلك راجع إلى سعة مغفرة الله ورحمته التي سبقت غضبه.
فالجواب عليه بأن يقال: “الأمر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به؛ فإنه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام، وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة، فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 رواه أحمد في مسنده 6/ 104 وَ 6/ 182، والبغوي في شرح السنة 6/ 156، 157 وذكره الألباني في سلسة الأحاديث الصحيحة 3/ 12 ح1014.
2 سورة الصافات، الآيتان 86 وَ 87.
3 الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص14، 15.
والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرض للعنته، وأوقع في محارمه، وانتهك حرماته، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن، فهذا حُسْنُ ظن، والأول غرور”1.
وقال الخطابي: “إنما يحسن بالله ظن من حسن عمله، فكأنه قال: أحسنوا أعمالكم يحسن بالله ظنكم؛ فإن من ساء عمله ساء ظنه، وقد يكون حسن الظن أيضاً من ناحية الرجاء، وتأميل العفو، والله جواد كريم”2.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 المصدر السابق ص15.
2 معالم السنن بحاشية سنن أبي داود 3/ 484.
ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:14 م]ـ
المبحث التاسع: تخيير الأنبياء عند الموت
روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول”ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة" وكان في شكواه الذي قبض فيه أخذته بُحّة شديدة فسمعته يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} 1، فعلمت أنه خُيّر”2.
وعنها رضي الله عنها قالت: “كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخيّر بين الدنيا والآخرة، فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه، وأخذته بُحّة، يقول: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} الآية، فظننت أنه خيّر”3.
وفي رواية عنها قالت: “لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم المرض الذي مات فيه جعل يقول”في الرفيق الأعلى”4.
¥