كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} 6 أي أن عملهم يبطل ويحبط، فيصير كالهباء والسراب والرماد، ومع ذلك فهم يعتقدون أن عملهم حسن مقبول عند الله7.
2 - ضعف الإيمان: المتضمن لحب الدنيا والركون إليها، وطول الأمل، فإن من يضعف إيمانه يضعف حب الله تعالى في قلبه، ويقوى فيه حب الدنيا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 سورة الكهف، الآيات 103 - 106.
2 تفسير القرآن العظيم 3/ 104، 105.
3 سورة الغاشية، الآيتان 2 - 4.
4 سورة الفرقان، الآية 23.
5 سورة النور، الآية 39.
6 سورة إبراهيم، الآية 18.
7 انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 4/ 191.
ويستولي عليه، فإذا حضر الموت فقد يزداد حب الله ضعفاً في قلبه لما يرى أنه يفارق الدنيا، محبوبته التي يفارقها، بل قد ينقلب ذلك الحب الضعيف بغضا، فيختم له بخاتمة سوء، ولهذا يقول ابن كثير: “والمقصود أن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة قال الله تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} 1، بل قد وقع سوء الخاتمة لخلق لم يفعلوا فاحشة اللواط، وقد كانوا متلبسين بذنوب أهون منها، وسوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا يقع فيها من صلح ظاهره وباطنه مع الله وصدق في أقواله وأعماله؛ فإن هذا لم يسمع به”2.
3 - الإصرار على المعاصي، كالتهاون بأركان الإسلام وواجباته، والاستمرار على فعل المحرمات كشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وأذى المسلمين، قال السيوطي: “قال بعض العلماء: الأسباب المفضية لسوء الخاتمة، والعياذ بالله، أربعة: التهاون بالصلاة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وأذى المسلمين”3.
ومن المعلوم أن من يُصّر على المعاصي يألف الطاعات يألفها، وما يألفه الإنسان في حياته يعود ذكره عند موته، فإن ألف الطاعات في عمره كان أكثر ما يحضره عند الموت ذكر الطاعات، وأن ألف المعاصي والمحرمات كانت أكثر ما يحضره عند تلك الساعة الحرجة، ومن ثم فقد تغلب عليه شهوة من الشهوات والمخالفات عند نزول الموت به، فيختم له بخاتمة سيئة، قال ابن القيم: “ولهذا ـ والله أعلم ـ كثيراً ما يعرض للعبد عند موته لهجه بما يحبه، وكثرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 سورة الفرقان، الآية 29.
2 البداية والنهاية 9/ 170.
3 شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور ص27.
ذكره له، وربما خرجت روحه، وهو يلهج به”1.
وقال ابن كثير: “وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه عقداً، وظاهره عملاً، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينْزل به الموت قبل التوبة”2، فيجب على كل مسلم أن ينَزه نفسه عن المعاصي وأن يبتعد عن الكبائر وأن يحذر من التسويف بالتوبة، بل يسارع إليها، فالتوبة تجب ما قبلها.
4 - العدول عن الاستقامة؛ فإن من كان مستقيماً على شرع الله تعالى ثم تحول عنه، وحصل منه مخالفات ووقوع في المحرمات فإنه معرض لسوء الخاتمة والعياذ بالله، كبلعام بن باعورا، الذي آتاه الله آياته فانسلخ بإخلاده إلى الدنيا واتبع هواه وكان من الغاوين، وكبرصيصا العابد الذي قال له الشيطان اكفر فلما كفر، قال: {إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} فإن الشيطان أغراه على الكفر، فلما كفر تبرأ منه مخافة أن يشاركه في العذاب ولم ينفعه ذلك3، كما قال تعالى {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} 4.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
1 طريق الهجرتين وباب السعادتين ص308، وانظر كتاب الكبائر للذهبي ص91.
2 البداية والنهاية 9/ 170.
3 انظر يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار ص212 وانظر تفسير القرآن العظيم 4/ 341 وللاستزادة ينظر مختصر منهاج القاصدين ص338، 340 والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة 1/ 72، 73.
4 سورة الحشر، الآية 17.
ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 08:17 م]ـ
الخاتمة
الحمد لله الذي أعان على إتمام هذا البحث، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
وبعد: فقد تبيّن لنا من المباحث السابقة مسائل مهمة، منها:
أولاً: أنَّ للموت سكراتٍ وكرباً وشدائد عظيمة، تصيب المحتضر؛ بسبب نزع روحه، وأن هذه السكرات حاصلة لكل مخلوق، كما دلت عليه النصوص الشرعية، من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تشتدّ على الكافر، وتُيسّر على المؤمن، وقد تشتّد على المؤمن تكفيراً لسيئاته، أو رفعاً لدرجاته.
ثانياً: أن لملك الموت أعواناً من الملائكة تعينه على قبض روح المحتضر، فتبشر المؤمن برضوان الله ورحمته حين الاحتضار، فيفرح بذلك، كما أن الملائكة تضرب وجوه الكفار وأدبارهم حين نزع أرواحهم وتبشرهم بعذاب الحريق.
ثالثاً: أن التوبة تنقطع إذا حضر الموت، وحينئذ يتمنى المحتضر الرجعة إلى الدنيا؛ إن كان كافراً ليؤمن ويتبع؛ وإن كان صالحاً ليزداد من الأعمال الصالحة.
رابعاً: أن الشيطان يحضر عند العبد في شأنه كله؛ لإغوائه وإضلاله، ومن ذلك حضوره عند الاحتضار، في ذلك الوقت الذي هو أحوج ما يكون إلى السلامة من وساوسه وشروره، فعلى المؤمن أن يتحصن منه بالإيمان والعمل الصالح في وقت الإمهال وقبل حضور الموت.
خامساً: مشروعية تلقين المحتضر: لا إله إلا الله؛ ليكون آخر كلامه من الدنيا نطقه بشهادة التوحيد، وفي ذلك أعظم الأسباب لدخول الجنة.
سادساً: وجوب إحسان الظن بالله تعالى في جميع الأحوال، ويتأكد ذلك عند
حضور الموت، وإنما يحسن بالله الظن من حسن عمله.
سابعاً: ثبت في الحديث الصحيح أنه ما من نبي يمرض إلا خيّر بين الدنيا والآخرة.
ثامناً: أن الأعمال بالخواتيم، فعلى المسلم أن يتعرف على أسباب حسن الخاتمة؛ ليعمل بها وينهجها، ويتعرف على أسباب سوء الخاتمة ليحذرها ويتجنبها.
¥