تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فسبب الالتباس الذي شاع بين الناس هو أنهم خلطوا بين الساعة والقيامة، وجعلوها شيئا واحدا، ولكن الفرق بعيد فالساعة ستأتي بغتة حقا لكن لتنتهي بها الدنيا، أما القيامة فمن الآخرة؛ ولهذا جعل الله نفختين: الأولى للساعة والثانية القيامة، وبينهما فاصل ليس فيه خلاف، {وَنُفِخَ فِي

الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، فالتراخي هنا بـ (ثم) قدر عند المفسرين بسنوات، بلغ عند بعضهم أربعين سنة، ومن هنا سميت الثانية قيامة، قيامة الموتى من قبورهم ينظرون ما يؤول إليه أمرهم، أما اقتران كلمة (تقوم بالساعة) في القرآن على نحو قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} أي: يوم تقع ويتم أمرها يدرك المبطلون أنهم خسروا لما كذبوا بها، وليس معنى (تقوم) هنا من القيامة؛ لأن الساعة ليست كائنا مات ليقوم، وإنما القيامة بعث من الموت لكائن كان حيا فيه روح عادت إليه {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، وكقوله سبحانه: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}. فالآية جعلت الساعة أولا للإفناء، والبعث من القبور ثانيا للإحياء؛ فلم يشملا في عمل واحد، وقوله: {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة}، ولم يقل: يوم الساعة؛ لأن الساعة لإنهاء الدنيا والحكم لا يكون إلا بعد الإحياء والمثول، ولأن الساعة أيضا من المفاتيح الدنيوية، وليست هي القيامة الأخروية، فإنها لن تقع حتى تظهر في الدنيا كل أشراطها، الصغرى والكبرى منها على السواء، بل وظهر لنا منها الآن فعلا كثير من علاماتها الصغرى التي وردت في الأحاديث الصحيحة، مثل تبرج النساء عاريات كاسيات، وتطاول رعاء الشاء في البينان، وكثرة الزلازل، ورفع الأمانة، وظهور الفتن وغيرها، وأشراطها جزء منها؛ فالقاعدة أن ما يدل على الشيء داخل فيه، فإرهاصات الأنبياء جزء من نبوتهم، ورؤياهم المنامية نوع من الوحي، بل عند المباغتة بالساعة سيكون لها أمر دنيوي هائل يراه الناس، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} وليس في الآخرة مرضعة ترضع ولا حامل تضع؛ إذا فلا يجوز الجمع بين الساعة والقيامة في معنى واحد، حيث لا يجتمعان معا في الدنيا ولا في الآخرة، وبذلك أحطنا بأمر علمي آخر.

بقيت الساعة ومن يؤمنون بها، حيث لا تتناول المحاضرة موضوع المكذبين بها، فسيكفيهم الله، ولأنه لا يستقيم تعمير بيت الغير، وسقف بيتي يخر على رأسي، فالمؤمنون بالساعة يعلمون أنها الرجفة التي ترجف الأرض والجبال قبل أن تتبعها الرادفة وهى القيامة كما قلنا، فرجفة الساعة ستجعل أعز ما في الدنيا يذهل عنه {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}: تنكره فلا تعرفه؛ ولم يعد ولدها الحبيب، وقمة حب الأم لولدها وهو رضيع، لكن وقتها نزعت ثديها من فمه وهي ترضه، فلم تدعه يتم ووضعته، وهل يكون الأمر غير ذلك، وقد رأت الأرض أخرجت أثقالها لما زلزلت زلزالها؟ إننا نسمع الآن كل يوم عن زلزال لم يمكث غير ثوان خرب آلاف المباني وشرد ملايين الناس، ولا عظة لما في القلوب من غلظة، وهل يكون غير أن تذهل عن رضيعها، وقد رأت نفسها مع الأرض رجت رجا، ورأت الجبال الشوامخ هباء منبثا؟ وهل يكون غير ذلك وقد رأت البحار فجرت فاختلط حلوها بملحها؟ ثم رأت هذه البحار قد سجرت فصارت كلها نارا وعهدها بالماء يطفئ النار؛ فمن الذي حول الماء إلى نار،؟ وغير ذلك من هول يأتي بخبل لها وللسكارى، وما هم بسكارى ولكن أمر الساعة

مفزع رهيب.

ونحن المصدقين بها نوعان: نوع يعيش في همّ هذا الذي سمعه عنها الآن، فشد وجدانه ببشاعة الساعة لا ينفك، فأخضع كل جارحة يُخدِّمها لهذا اليوم، فيكفى بذلك يوما هو أشد من يوم الساعة، يوم يقوم الناس لرب العالمين قائلين: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ فكان أن وقوا شر ذلك اليوم، ودخلوها آمنين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير