تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما غير العقلاء فالآية أجل وأكرم من أن تقدم إليها عجائبها، فلما لم يعقل الناس، حاق بهم ما جعلهم يصرخون الآن في أنحاء الأرض من الغلاء وتضخم الأسعار، بسبب نقص المواد الغذائية لقلة الحاصلات الزراعية، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فبركات السماء الماء، وبركات الأرض النماء، ولا دنيا بغيرهما، وظننا اليوم أنه سبحانه أخذ العباد أيضا بما كسبوا؛ فمنع الماء عن قوم، وأغرق به آخرين، لما سلطه فيضانا ماحقا، ليتحول مصدر الحياة إلى مُعدمها بما نسمع كل يوم في بلد إسلامية وغير إسلامية.

وماذا عن الخصوم الذين يحادون هذا المفتاح من الغيب باسم (العلم الحديث)؟ لقد أذاعوا بأنهم استطاعوا أن يصنعوا المطر، ويوجدوه وينزلوه إذا شاءوا، ويجمدنه ويمنعوه إذا شاءوا، واشترك إعلامنا العزيز أيضا كنعيق الغربان يحكي أضاليل أعداء الإسلام، من أن العلم الحديث في أوربا استطاع التحكم في المطر، وصرنا نقرأ - لمدة طويلة - العناوين الضخمة في صحافتنا، ونسمع أصوات الببغاوات المرددة في إذاعتنا، عن المطر الصناعي الذي أصبح لا يخشى معه على العالم من قلة الماء، وندر من تصدى للرد على هذا التجرُّؤ الوقح على ما انفرد به الله وحده، ونحن الموقنين رحنا في ثقة نسخر من عقل المتخرصين سائلين: لماذا إذاً لجأتم إلى بحار الله الملحة، متحايلين بكل وسيلة لتأخذوا عذبها وتدعوا ملحها؟ فأين مطركم الصناعي الذي يوفر عليكم هذا العناء البالغ لفصل الملح عن العذب؟ أو تسلطوا مدافعكم على سحاب الله لتسقطوه؟ فلا للمطر صنعتم ولا للسحاب أسقطتم.

كنا في العام قبل الفائت في أوربا بتكليف من الجامعة، وأثناء وجودنا في فرنسا قائدة أوربا الوسطى والغربية في (التكنولوجيا) "العلم الحديث"، وفي مقدمة الدول التي قيل عنها أنها أوجدت المطر الصناعي، فلم نجد في طول وعرض المناطق التي تنقلنا فيها إلا قصة جفاف الريف الفرنسي؛ لعدم نزول الأمطار سنتئذ، فقلت: وأين نهر السين وروافده

ـ[سامي عبد العزيز]ــــــــ[06 - 04 - 06, 10:16 م]ـ

فقال لي مرافقي المتطوع بسيارته من الجالية الإسلامية في باريس: الآن تراه، فلما وصلنا إليه وجدته وقد كاد يغور ماؤه، وهو آسن تفوح منه رائحة كريهة من طول ما ركد؛ فقلت: الله أكبر! وأين مطرهم الصناعي؟ لماذا لم ينزلوه ليملأوا منه نهرهم وينبتوا به زرعهم؟ فقال محدثي: وأعجب من هذا أن الحكومة الفرنسية طلبت منا نحن المسلمين هنا، أن نصلي لهم صلاة الاستسقاء، وصليناها فعلا، ولما لم ينزل المطر نشط الحزب الشيوعي الفرنسي بالدعاية الإلحادية ضدنا، ووجدوا من يصغي إليهم في شعب كافر، ولما اشتد بنا الأمر وأحسسنا بالضعف أمامهم؛ إذ بنا نفاجأ في صباح يوم بالأمطار الغزار تهطل في طول فرنسا وعرضها، وأيقنا بأنه نصر لنا من الله انتهزناه وقمنا بالدعاية للإسلام بإضعاف ما قاموا به ضدنا؛ دخل كثبر بسبب ذلك في الإسلام، بل وتحولت بعض الكنائس إلى مساجد، وأنا حضرت بعضها واشتركت في افتتاحها في قلب باريس عاصمة الفسق العالمي، وعبد في تلك المساجد الرحمن، بعد أن كانت كنائس يعبد فيها الشيطان؛ {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

تلك قصة المطر الإلهي مع المطر الصناعي، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}، وما أظن من اللائق ونحن في بلد عزيز لدى الله ولدى رسوله والمؤمنين؛ في طيبة الطيبة ولا نتحدث عن أمر الغيث فيها ماضية وحاضرا، لقد ألف عن المدينة كتب شتى، وكلها تنبئ بأن المدينة كانت الواحة الخضراء في عرض الصحراء لكثرة مائها المنهمر والمتفجر فالآبار طافية، والجداول جارية، وجنة الصحراء تتيه بنخيلها وحدائقها النضراء وبواديها العقيق، الذي أهاج يوما جماله شعور الشاعر وأدب الأديب؛ فيا لهفى عليها اليوم، لقد تحولت ينابيعها العذبة الفراتية إلى ماء ملح، وغاب مدد السماء، فغاب اللون الأخضر عن أديمها، وندعو مالك الماء صباح مساء، وعلى منابر الجمع وفي صلاة الاستسقاء، ولكن الودق لم ينزل وماء الينابيع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير