تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اُبتلي يوسف بحسد إخوته له حيث قالوا (لَيوسف وأخوه أحب إلى أبينا منّا ونحن عصبة إنَّ أبانا لفي ضلال مبين) فحسدوه على تفضيل الأب له ولهذا قال يعقوب ليوسف (لاتقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين) ثم إنهم ظلموه بتكلمهم في قتله وإلقائه في الجبّ وبيعه رقيقاً لمن ذهب به إلى بلاد الكفر فصار مملوكاً لقوم كفار، وقد قيل للحسن البصري: أيحسِد المؤمن؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك؟! ولكن غمه في صدرك فإنه لايضرك ما لم تعد به يداً ولساناً. وقال تعالى في حق اليهود (ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفرا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) يودون أي يتمنون ارتدادكم حسدا، فجعل الحسد هو الموجب لذلك الودّ، من بعد ما تبين لهم الحق لإنهم لمّا رأوا أنكم قد حصل لكم من النعمة ما حصل - بل ما لم يحصل لهم مثله حسدوكم. وكذلك في الآية الأخرى (أم يحسدون الناس على ما ءاتهم الله من فضله فقد ءاتينا آل إبراهيم الكتب والحكمة وآتينهم ملكاً عظيماً فمنهم من ءامن به ومنهم من صدّ عنه وكفى بجهنم سعيراً) وقال تعالى (قل أعوذ برب الفلق من شر ماخلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد) وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها نزلت بسبب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه، سحره لبيد بن الأعصم اليهودي. وقال الله تعالى (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) أي مما أُوتي إخوانهم المهاجرون. قال المفسرون: لا يجدون في صدورهم حاجة أي حسداً وغيظاً مما أُوتي المهاجرون. ثم قال بعضهم: من مال الفئ، وقيل: من الفضل والتقدم، فهم لا يجدون حاجة مما أُوتوا من المال ولا من الجاه، والحسد يقع على هذا. وكان بين الأوس والخزرج منافسة على الدين، فكان هؤلاء إذا فعلوا ما يفضلون به عند الله ورسوله أحب الآخرون أن يفعلوا نظير ذلك، فهي منافسة فيما يقربهم إلى الله كما قال تعالى (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون). والحسد يبقى إلى لحظة نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان قبيل قيام الساعة، وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لينزلن ابن مريم حكماً عادلا، فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص نوع من أشرف أنواع الإبل فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد).

مراتب الحسد

ومراتبه: الأولى: يتمنى زوال النعمة عن الغير، ويعمل ويسعى في الوسائل المحرمة الظالمة ويسعى في اساءته بكل ما يستطيع وهذا الغاية في الخبث والخساسة والنذالة وهذه الحالة هي الغالبة في الحسّاد خصوصاً المتزاحمين في صفة واحدة ويكثر ذلك في طلاب المناصب والجاه. الثانية: يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه، وهذا في غاية الخبث، ولكنها دون الأولى. الثالثة: أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود وتمني عدم استصحاب النعمة سواء انتقلت إليه أو إلى غيره ولكنه في جهاد مع نفسه وكفها عن ما يؤذي خوفاً من الله تعالى وكراهية في ظلم عباد الله ومن يفعل هذا يكون قد كفي شر غائلة الحسد ودفع عن نفسه العقوبة الأخروية ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه من هذا الوباء حتى يبرأ منه. الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير، بغضاً لذلك الشخص لسبب شرعي، كأن يكون ظالماً يستعين على مظالمه بهذه النعمة فيتمنى زوالها ليرتاح الناس من شره. ومثل أن يكون فاسقاً يستعين بهذه النعمة على فسقه وفجوره فيتمنى زوال المغل هذا عنه ليرتاح العباد والبلاد من شره القاصر والمتعدي فهذا لايسمى حسداً مذموماً وإن كان تعريف الحسد يشمله، ولكنه في هذه الحالة يكون ممدوحاً لا سيما إذا كان يترتب عليه عمل يرفع هذا الظلم والعدوان ويردع هذا الظالم. الخامسة: ألاّ يتمنى الشخص زوال النعمةعن غيره ولكن يتمنى لنفسه مثلها فإن حصل له مثلها سكن واستراح، وإن لم يحصل له مثلها تمنى زوال النعمة عن المحسود حتى يتساويا ولايفضله صاحبه. السادسة: أن يحب ويتمنى لنفسه مثلها فإن لم يحصل له مثلها فلا يحب زوالها عن مثله فهذا لابأس

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير