تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كففت ظاهرك بالكلية إلا أنك بباطنك تحب زوال النعمة وليس في نفسك كراهة لهذه الحالة فأنت حسود عاص لأن الحسد صفة القلب لا صفة الفعل قال الله تعالى (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) وقال عز وجلّ (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وقال تعالى (إن تمسسكم حسنة تسؤهم). والحسد الذي محله القلب دون الجوارح ليس بمظلمة يجب الاستحلال منها بل هو معصية بينك وبين الله تعالى. وقد ذهب ذاهبون إلى أنه لا يأثم إذا لم يظهر الحسد على جوارحه ولما روي عن الحسن أنه سئل عن الحسد فقال: غمه فإنه لا يضرك مالم تبده. والأولى أن يحمل على أن يكون فيه كراهة من جهة الدين والعقل في مقابلة حب الطمع لزوال نعمة العدو وتلك الكراهة تمنعه من البغي والإيذاء فإن جميع ما ورد من الأخبار في ذم الحسد يدل ظاهره على أن كل حاسد آثم، ثم إن الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فأما إذا كففت ظاهرك وألزمت مع ذلك قلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها فتكون تلك الكراهة من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة. وفي الحسد إضرار بالبدن وإفساد للدين وفيه تعدي وأذى على المسلم نهى الله ورسوله عنه. والحسد حرام بكل حال إلا نعمة أصابها فاجر أو كافر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء الخلق فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة بل من حيث هي آلة الفساد ولو أمنت فساده لم يغمك بنعمته، و لاعذر في الحسد ولا رخصة وأي معصية تزيد كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة. وقال بعض السلف: الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء يعني حسد إبليس لآدم عليه السلام وأول ذنب عُصي الله به في الأرض يعني حسد أبن آدم لأخيه حتى قتله.

بعض الأسباب التي تؤدي إلى الاتصاف بالحسد:

قد تجتمع أسباب الحسد المذكورة هنا في شخص واحد أو أكثرها.

1 - العدواة والبغضاء والحقد (هذا السبب من الحاسد): وهذا من أشد أسباب الحسد وأصل المحاسدات العدواة وأصل العدواة التزاحم على غرض والغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل متناسبين فلذلك يكثر الحسد بينهما. والحسد نتيجة من نتائج الحقد وثمرة من ثمراته المترتبة عليه فإن من يحقد على إنسان يتمنى زوال نعمته ويغتابه وينمّ عليه ويعتدي على عرضه ويشمت به لما يصيبه من البلاء ويغتّم بنعمة إن أصابها ويسر بمعصية إن نزلت به وهذا من فعل المنافقين والعياذ بالله.

2 - التعزز والترفع (هذا السبب من الحاسد): فإذا أصاب أحد زملائه ولاية أو مالاً خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره وافتخاره عليه. ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا: كيف يتقدم علينا غلام يتيم فنطأطئ رؤوسنا له فقالوا (لولا نزّل هذا القران على رجل من القريتين عظيم).

3 - الكبر (هذا السبب من المحسود): وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عل الحاسد ويستحقره ويستصغره ويستخدمه فإذا نال ولايةً خاف ألاّ يحتمل تكبره.

4 - التعجب (هذا السبب من الحاسد): كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ (قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا) فتعجبوا أن يفوز برتبة الرسل والوحي والقرب من الله بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النعمة عنهم.

5 - الخوف من المزاحمة وفوات مقصد من المقاصد بين النظراء في المناصب والأموال: وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد وذلك مثل الضرات عند زوجهن والتلاميذ عند الأستاذ والإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلوب الأبوين ليتوصل بها إلى مقاصد الكرامة والمال وخدّام الملك في نيل المنزلة من قلبه. والتاجر يحسد التاجر والصانع يحسد الصانع والنجار يحسد النجار والفلاح يحسد الفلاح وأرباب الجاه يحسدون أرباب الجاه والمناصب الحكومية يحسد بعضهم بعضاً، ومن الأمثال المتدوالة قولهم: عدو المرء من يعمل عمله. والحسد يقع كثيراً بين المتشاركين في رئاسة أو مال إذا أخذ بعضهم قسطاً من ذلك وفات الآخر. ويكون بين النظراء لكراهة أحدهم أن يفضل عليه الآخر، كحسد إخوة يوسف وكحسد ابني ءادم أحدهما لأخيه فإنه حسده لكون الله تقبل من قربانه ولم يتقبل قربان هذا، فحسده على ما فضله الله من الإيمان والتقوى كحسد اليهود للمسلمين، وقتله على ذلك. و لهذا قيل: أول ذنب عصي الله به ثلاثة: الحرص والكبر والحسد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير