تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالحرص من ءادم، والكبر من إبليس، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل. والحسد يكثر في المناصب والأموال، ويقع لما يحصل للغير من السؤدد والرياسة وإلا فالعامل في العادة ولو كان تنعمه بالأكل والشراب والنكاح أكثر من غيره. بخلاف نوعي العلم والمال فإن صاحبيهما يُحسدان كثيراً، ولهذا يوجد بين أهل العلم الذين لهم أتباع من الحسد مالايوجد فيمن ليس كذلك، وكذلك فيمن له أتباع بسبب إنفاق ماله فذلك ينفع الناس بقوت القلوب، وهذا ينفعهم بقوت الأبدان والناس محتاجون إلى ما يصلحهم من هذا وهذا. ولهذا كان الناس يعظّمون دار العباس: كان عبد الله يعلم الناس وأخو يطعم الناس، فكانوا يعظّمون لذلك. و رأى معاوية الناس يسألون ابن عمر عن المناسك وهو يفتيهم فقال: هذا والله الشرف. أو نحو ذلك. هذا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه نافس أبا بكر رضي الله عنه الإنفاق كما ثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً.فقال:فجئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله. وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكل ما عنده، فقال له رسول صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله فقلت: لا أسابقك إلى شىء أبداً. رواه الترمذي. وكما جرى لزينب بنت جحش رضي الله عنه رضي الله عنها فإنها كانت هي التي تسامي عائشة رضي الله عنها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وحسد النساء بعضهن لبعض كثير غالب لا سيما المتزوجات بزوج واحد، فإن المرأة تغارعلى زوجها لحظها منه، فإنه بسبب المشاركة يفوت بعض حظها.

6 - حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل به إلى مقصود ومن غير قصد شرعي صحيح وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء والمدح واستفزه الفرح بما يمدح به، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى أقطار الأرض لساءه ذلك وأحب موته أو زوال تلك النعمة التي عند الذي يشاركه بها في المنزلة من شجاعة أو علم أو صناعة أو جمال أو ثروة أو نحو ذلك.

7 - خبث النفس وحبها للشر وشحها بالخير لعباد الله: فتجد المتصف بذلك شحيحاً بالفضائل بخيلاً بالنعم وليست إليه فيمنع منها ولابيده فيدفع عنها لإنها مواهب قد منحها الله من شاء فيسخطه على الله عز وجلّ في قضائه ويحسد على ما منح من عطائه وإن كانت نعم الله عز وجلّ عنده أكثر ومنحه عليه أظهر، وإذا ذكر له اضطراب ونكبات تصيب الناس وكذلك إدبارهم وفوت مقاصدهم وتنغيص عيشهم استنار وجهه وفرح به وصار يبثّه وربما أتى بإشاعة في صورة الترحم والتوجع فهوأبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأن ما أعطاهم الله يؤخذ من ماله وخزانته على أنه ليس بينه وبينهم عدواة وهذا ليس له سبب إلا التعمق في الخبث والرذالة والنذالة والخساسة في الطبع اللئيم ولذلك يعسر معالجة هذا السبب لإنه ظلوم جهول وليس يشفي صدره ويزيل حزازة الحسد الكامن في قلبه إلا زوال النعمة فحينئذ يتعذر الدواء أو يعزّ ومن هذا قول بعضهم:

وكلٌ أدوايه على قدر دائه** سوى حاسدي فهي التي لاأنالها

وكيف يدواي المرء حاسد نعمة** إذا كان لايرضيه إلا زوالها

وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها إذ ليس لصاحبه راحة ولا لرضاه غاية. فإن اقترن بشر وقدرة كان بوراً وانتقاماً وإن صادف عجزاً ومهانة كان جهداً وسقاماً. وقال عبدالحميد: الحسود من الهمّ كساقي السم فإن سرى سمه زال عنه همّه. أما الأسباب الأخرى فيتصور إزالتها في المعالجة.

8 - ظهور الفضل والنعمة على المحسود: بحيث يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه واختصاصه به فيثير ذلك حسداً لولاه لكفّ عنه وهذا أوسطها لإنه لا يحسد إلا كفاء من دنا وإنما يختص بحسد من غلا وقد يمتزج بهذا النوع ضرب من المنافسة ولكنها مع عجز فصارت حسداً. وأعلم أنه بحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له فإن كثر فضله كثر حسّاده وإن قلّ قلّوا لإن ظهور الفضل يثير الحسد وحدوث النعمة يضاعف الكمد ولذك قال رسول صلى الله عليه وسلم (استعينوا عى قضاء الحوائج بسترها فإن كل ذي نعمة محسود).وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كانت نعمة الله على أحد إلا وجّه الله لها حاسداً فلو كان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير