تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

صوت صفير البلبل هيّج قلب الثمل

الماء والزهر معاً مع زهر لحظ المقل

وأنت يا سيددلي وسيددي وموللي (!)

ومنها - وكلها عبث فارغ -:

وقال: لا لا لللا وقد غدا مهرولي (!)

وفتية سقونني (!) قهيوة كالعسل

شممتها في أنففي (!) أزكى من القرنفل

والعود دن دن دنلي والطبل طب طب طبلي (!)

والكل كع كع كعلي (!) خلفي ومن حويللي (!)

وهلمّ شرّا (بالشين لا بالجيم)، فكلها هذر سقيم، وعبث تافه معنى ومبنى.

ولم ينته العبث بالعقول، فقد زاد الراوي أن الخليفة والمملوك والجارية لم يحفظوها، فقال الخليفة للأصمعي: يا أخا العرب، هات ما كتبتها فيه نعطك وزنه ذهباً، فأخرج قطعة رخام وقال: إني لم أجد ورقاً أكتبها فيه، فكتبتها على هذا العمود من الرخام، فلم يسع الخليفة إلا أن أعطاه وزنه ذهباً، فنفد ما في خزانته (!!!).

إنّ هذه القصة السقيمة والنظم الركيك كذب في كذب، وهي من صنيع قاصّ جاهل بالتاريخ والأدب، لم يجد ما يملأ به فراغه سوى هذا الافتعال الواهن.

إن القصة المذكورة لم ترد في مصدر موثوق، ولم أجدها بعد بحث طويل إلا في كتابين، الأول: إعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس، لمحمد دياب الإتليدي (ت بعد 1100هـ) وهو رجل مجهول لم يزد من ترجموا له على ذكر وفاته وأنه من القصّاص، وليس له سوى هذا الكتاب.

والكتاب الآخر: مجاني الأدب من حدائق العرب، للويس شيخو (ت 1346هـ)،وهو رجل متّهم ظنين، ويكفي أنه بنى أكثر كتبه على أساس فاسد - والتعبير لعمر فرّوخ (ت 1408هـ) - وكانت عنده نزعة عنصرية مذهبية، جعلته ينقّب وينقّر ويجهد نفسه، ليثبت أن شاعراً من الجاهليّين كان نصرانياً (راجع: تاريخ الأدب العربي 1/ 23).

ويبدو أن الرجلين قد تلقفا القصة عن النواجي (ت859هـ) _ وقد أشار شيخو إلى كتابه (حلبة الكميت) على أنه مصدر القصة، ولم أتمكّن من الاطلاع عليه، على أن النواجي أديب جمّاع، لا يبالي أصحّ الخبر أم لم يصحّ، وإنما مراده الطرفة، فهو يسير على منهج أغلب الإخباريين من الأدباء، ولذا زخرت مدوّنات الأدب بكل ما هبّ ودبّ، بل إن بعضها لم يخلُ من طوامّ وكفريّات.

وتعليقاً على كون الإتليديّ قصّاصاً، أشير إلى أن للقصّاص في الكذب والوضع والتشويه تاريخاً طويلاً، جعل جماعة من الأئمة ينهون عن حضور مجالسهم، وأُلّفت في التحذير منهم عدة مصنّفات (راجع: تاريخ القصّاص، للدكتور محمد بن لطفي الصباغ).

ثمّ اعلم أيها القارئ الحصيف أن التاريخ يقول: إن صلة الأصمعي كانت بهارون الرشيد لا بأبي جعفر المنصور الذي توفي قبل أن ينبغ الأصمعي، ويُتّخذ نديماً وجليساً، ثم إن المنصور كان يلقّب بالدوانيقي، لشدة حرصه على أموال الدولة، وهذا مخالف لما جاء في القصة، ثم إن كان المنصور على هذا القدر العجيب من العبقريّة في الحفظ، فكيف أهمل المؤرخون والمترجمون الإشارة إليها؟

أضف إلى ذلك أن هذا النظم الركيك أبعد ما يكون عن الأصمعي وجلالة قدره، وقد نسب له شيء كثير، لكثرة رواياته، وقد يحتاج بعض ما نُسب إليه إلى تأنٍّ في الكشف والتمحيص قبل أن يُقضى بردّه، غير أن هذه القصة بخاصة تحمل بنفسها تُهَم وضعها، وكذلك النظم، وليس هذا بخاف عن اللبيب بل عمّن يملك أدنى مقوّمات التفكير الحرّ.

ولم أعرض لها إلاّ لأني رأيت جمهرة من شداة الأدب يحتفون بالنظم الوارد فيها، ويتماهرون في حفظه، وهو مفسدة للذوق، مسلبة للفصاحة، مأذاة للأسماع.

وبعد: فإنه يصدق على هذه القصّة قول عمر فرّوخ رحمه الله إن مثل هذا الهذر السقيم لا يجوز أن يُروى، ومن العقوق للأدب وللعلم وللفضيلة أن تؤلف الكتب لتذكر أمثال هذا النظم)

ا. هـ

ـ[المسيطير]ــــــــ[07 - 11 - 06, 08:50 م]ـ

جزاكم الله خيرا.

استفدت كثيرا من رابط شبكة الفصيح.

لاحرمكم الله الأجر.

ـ[أبو محمد المرقال]ــــــــ[07 - 11 - 06, 10:20 م]ـ

بيان تهافت حكاية قصيدة صوت صفير البلبل *

صوت صفير البلبل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير