ويقول الحافظ أسلم في المعنى ذاته ما نصه: ((قد انحصرت ضروريات الدين في اتباع القرآن المفصل ولا تتعداه)) ().
الرد:
هذا كفر بالقرآن الذي يزعمون الانتساب إليه لأن الله يقول:
) وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم (فموضع الرسول e من القرآن موضع البيان له، فمن كذب ذلك فقد كذب نص القرآن. ومفهوم كتاب الله عند أهل العلم والإيمان يختلف عن مفهوم الكتاب عند هذه الفرقة المشبوهة.
حيث يطلق عند أهل العلم والإيمان على معنيين:
روى الشيخان من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد قال ا: كنا عند النبي e فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي: قال: قل، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم فقال النبي e : والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله جل ذكره، المائة شاة () والخادم ردٌّ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها ().
وفي هذا الحديث طلب الخصمان من رسول الله e أن يحكم بينهما بكتاب الله وأجاب رسول الله e إلى ذلك وحلف ليفعلنّ، والحكم الذي حكم به بينهما هو رد مائة الشاة والخادم وجلد مائة وتغريب عام على الزاني ورجم الزانية، وليس الرجم ولا التغريب ولاردّ مائة الشاة والخادم منصوصا عليها في القرآن المنزل، مع أن رسول الله e أطلق على هذا الحكم أنه كتاب الله أي حكم كتاب الله.
قال أهل العلم والإيمان: كتاب الله ينطلق على معنيين:
المعنى الأول: ما حكم الله به وكتب به على عباده سواء أكان منصوصا في القرآن أم في السنة، وإطلاق كتاب الله على القرآن والسنة إطلاق اشتراك () فما ثبت بالسنة يطلق عليه أنه كتاب الله، ومن حكم بالسنة
لم يخرج عن كتاب الله حكماً ومفهوما على هذا المعنى.
قال الواحدي: ((وليس للجلد والتغريب ذكر في نص الكتاب، وهذا يدل على أن ما حكم به النبي e فهو عن كتاب الله))، قال الرازي: وهذا حق لأنه تعالى قال:) لتبين للناس ما نزل إليهم (فكل ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام كان داخلاً تحت هذه الآية ().
والمعنى الثاني عندهم: أن كتاب الله هو القرآن وحده ولكن يطلق على مدلول السنة بأنه في كتاب الله بواسطة أمر الله لنا بطاعة رسوله واتباع أمره، و " مَنْ قَبِلَ عن رسول الله e فعن الله قَبِلَ، لِما افترض الله من طاعته، فيجمع القبولُ لما في كتاب الله وسنة رسول الله القبول لكل واحد منهما عن الله " ().
ومن حكم بالسنة لم يخرج عن كتاب الله حكما ومفهوما على هذا المعنى أيضاً.
روى الشيخان واللفظ لمسلم عن عبد الله بن مسعود قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله؟ وهو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل:) وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (().
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول عن حكمٍ ثبت بالسنة ولم يُنَصَّ عليه في القرآن أنه في كتاب الله.
وسئل عكرمة عن أمهات الأولاد؟ فقال: إنهن حرائر، قيل له بأي شيء تقوله؟ قال: بالقرآن، قال: بماذا من القرآن؟ قال: قول الله) وأولي الأمر منكم (، وكان عمر من أولي الأمر، قال: عتقت وإن كان سِقْطاً ().
بل ذهب الإمام المطلبي ناصر السنة إلى أبعد من ذلك إذ جعل ما ثبت عن عمر رضي الله عنه ثابتا في كتاب الله بنوع استنباط واستدلال بمراتب.
¥