تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المقام الأول: عدم معرفة الرسول e بأعيان بعض المنافقين لا يقتضي الشك في أحاديث الرسول e ؛ لأن المنافقين كانوا معروفين بصفاتهم فكان الصحابة يأخذون حذرهم منهم، ففي الصحيحين من حديث عتبان بن مالك لما صلى له النبي e في بيته فاجتمع إليه نفر من أهل الحي فقال قائل منهم: أين مالك الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي e : لا تقل له ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله؟ قال: قالوا: الله ورسوله أعلم، أما نحن فو الله لا نرى ودّه وحديثه إلا إلى المنافقين فقال رسول الله e : (( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) ().

فظهر من هذا الحديث أن الصحابة كانوا في غاية الصرامة في شأن المنافقين بحيث اتهموا من جالسهم وخالطهم وإن لم يبلغ به الأمر إلى الكفر الباطني كما شهد بذلك الرسول e لمالك بن الدخشن ()، أفتراهم يأخذون الأحاديث من المنافقين بعد ذلك؟ أو ترى المنافقين يجرؤون على اختلاق الأحاديث وبثها في الناس مع أنهم معزولون عن المجتمع المؤمن ومنبوذون فيهم؟

وليس عند جكرالوي شبهة دليل على أن المنافقين كانوا يتصدون لبث الأحاديث المختلقة وروايتها في حياة رسول الله e وبعد مماته.

المقام الثاني: أن في الآية التي استدل بها ما يرد دعواه إذ أوعدهم الله عذابين في الدنيا قبل العذاب الشديد في الآخرة.

قال بعض المفسرين: أحد العذابين هو فضيحتهم بكشف أمورهم وتبيين سرائرهم للناس على لسان رسول الله e .

روى ابن جرير بسنده عن ابن عباس في قول الله:) وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ((التوبة:101). قال: قام رسول الله e خطيباً يوم الجمعة فقال: اخرج يا فلان فإنك منافق، فأخرج من المسجد ناسا منهم ففضحهم)) ().

المقام الثالث: الاعتماد على الثقة في نقل الأخبار ضرورة دينية ودنيوية وأن وجود بعض الكذبة في المجتمع لا يسد عليهم باب نقل الأخبار وتلقيها من الثقات.

قال الله تعالى:) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ((الحجرات:6).، ففي هذه الآية لم يأمر الله برد خبر الفاسق وتكذيبه جملة وإنما أمر بالتبين فدل ذلك على أنه يقبل خبر العدل ولا يُتبين فيه.

وإذا رُد خبر الفاسق والعدل جملة على السواء لوجود بعض الكذبة ومن لا يوثق بخبره في المجتمع بطلت الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة، وتعطلت حقوق الناس واختلت حياتهم واضطربت معيشتهم، وهذا فاسد ضرورة، وما أدى إليه – أعني فهمهم لآية سورة التوبة – فهو مثله.

أما ما ذهب إليه جكرالوي من أنه: ((ليس في وسع المرء أن يطلع على حقيقة رواة الحديث صدقا أو كذبا؛ لأنهما من الأمور الباطنية التي لا يطلع عليها إلا العليم بذات الصدور)) وحاصله أنه أغلق باب معرفة عدالة النقلة وصدقهم من كذبهم.

فأقول: إن الله تعالى رد عليه فريته وأفسد عليه مزاعمه إذ قال:

) وأشهدوا ذوي عدل منكم ((الطلاق:2) وقال:) واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ((البقرة:282).

وقال:) يحكم به ذوا عدل منكم ((المائدة: 95).

ففي هذه الآيات أناط الله الشهادة والحكم بالشاهدين العدلين فدل ذلك على أن مناط العدالة () يمكن الوقوف عليه والحكم بمقتضاه، فلو لم يمكن معرفة مناط العدالة لكان الله أمرنا بالمحالات والممتنعات، وهذا فاسد وما أدى إليه فهو فاسد مثله.

وأما قول الحافظ أسلم إنه كان للعواطف البشريّة يد فى تصحيح السنّة وتضعيفها، ولم ينحصر التوثيق في الصدق بل تجاوزه إلى التلمذة والتشيّخ والمشاركة الفكرية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير