فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين وسنن النسائي ورياض النووي وأذكاره تفلح وتنجح، وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فوا غوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم".
? التعليق:
لقد أبان الذهبي عن رأيه في الإحياء، وبين ما فيه من الطامات، ومن أكبرها شحنه بالأحاديث الباطلة، وهذه كبيرة كبرى عند أئمة الحديث وعند كل مسلم له غيرة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر ما فيه من طامات الصوفية، ومن بلايا الفلاسفة، وانحرافات الزهاد وما أشبههم، ثم ضرب عن ذلك صفحا، وأرشد إلى الطريق النافع الذي ينفع المسلمين دنيا وأخرى، وهو العناية بتدبر كتاب الله ودراسته، والعناية بالصحيحين وبقية كتب الحديث، ثم ختم كلامه بتجديد التحذير من كتاب الغزالي، وقال وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، وهذه هي مادة أبي حامد في الإحياء، فلو طرحت من الإحياء الأحاديث الباطلة، وآراء الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب رؤوس أصحاب الخلوات بقي الكتاب بياضا لا سواد فيه.
وقال في موضع آخر من السير: ومما أخذ عليه، قال إن للقدر سرا نهينا عن إفشائه، فأي سر للقدر؟ فإن كان مدركا بالنظر، وصل إليه ولابد، وإن كان مدركا بالخبر فما ثبت فيه شيء، وإن كان يدرك بالحال والعرفان، فهذه دعوى محضة، فلعله عنى بإفشائه أن نعمق في القدر ونبحث فيه.
وقال في موضع آخر أيضا: قلت: قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب التهافت، وكشف عوارهم، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل إخوان الصفا، وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين لتلف، فالحذار الحذار من هذه الكتب واهربوا بدينكم من شبه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية وليدمن الاستغاثة بالله وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو إن شاء الله.
قلت: ما ذكره الذهبي في هذه الكلمة من وصف لكتب رسائل إخوان الصفا من أنها داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، هي من المواد الأساسية المنصبة في الإحياء كما يعرف ذلك بمقارنتها بما في الإحياء من مادتها الكثيرة، نسأل الله العافية، فأي خير سيكون في الإحياء إذا كان فيه الداء العضال والجرب المردي والسم القتال، ولهذا نلاحظ أن الذهبي في كلمته السابقة لما قال في الإحياء فيه خير، أضرب عن ذلك في حينه وأرشد إلى ما فيه الخير حقا، فجزاه الله خيرا.
وقال في موضع آخر من السير بعد نقله لكلام عبد الغافر:
ومما نقم عليه -أي الغزالي- ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب كيمياء السعادة والعلوم، وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به والحق أحق ما يقال: ترك ذلك التصنيف والإعراض عن الشرح له…
قلت -أي الذهبي- ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء فله أمثاله في غضون تواليفه حتى قال أبو بكر بن العربي، شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، و أراد أن يتقيأهم فما استطاع.
قلت: ومن التآليف كتاب الإحياء الذي فتنت به الأمة شرقا وغربا.
10 - فتوى الإمام ابن الصلاح:
جاء في السير: وقال أبو عمرو بن الصلاح فصل لبيان أشياء مهمة أنكرت على أبي حامد: ففي تواليفه أشياء لم يرتضها أهل مذهبه من الشذوذ، منها قوله في المنطق هو مقدمة العلوم كلها، ومن لا يحيط به فلا ثقة له بمعلوم أصلا، قال فهذا مردود إذ كل صحيح الذهن منطقي بالطبع، وكم من إمام ما رفع بالمنطق رأسا.
قلت: وكتاب الإحياء مادته كلها شاذة عن الكتاب والسنة، وما فيه من نصوص صحيحة فهي في الكتاب والسنة، فنعوذ بالله من الشذوذ وأهله، ومن يحبه.
11 - أبو عامر العبدري:
¥