تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلذلك لم يعرف ذلك، ولم تكن مادة أبي حامد من كلام أبي حيان التوحيدي وحده، بل ولا غالب كلامه منه، فإن أبا حيان تغلب عليه الخطابة والفصاحة، وهو مركب من فنون أدبية وفلسفية وكلامية وغير ذلك، وإن كان قد شهد عليه بالزندقة غير واحد، وقرنوه بابن الراوندي كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره، وإنما كان غالب استمداد أبي حامد من كتاب أبي طالب المكي الذي سماه قوت القلوب، ومن كتب الحارث المحاسبي وغيرها، ومن رسالة القشيري، ومن منثورات وصلت إليه من كلام المشايخ وما نقله في الإحياء عن الأئمة في ذم الكلام، فإنه نقله من كتب أبي عمر ابن عبد البر في فضل العلم وأهله، وما نقله فيه من الأدعية والأذكار نقله من كتاب الذكر لابن خزيمة، ولهذا كانت أحاديث هذا الباب جيدة، وقد جالس من اتفق له من مشايخ الطرق لكنه يأخذ من كلام الصوفية في الغالب ما يتعلق بالأعمال والأخلاق والزهد والرياضة والعبادة وهي التي يسميها علوم المعاملة.

وأما التي يسميها علوم المكاشفة، ويرمز إليها في الإحياء وغيره، ففيها يستمد من كلام المتفلسفة وغيرهم، كما في مشكاة الأنوار والمضنون به على غير أهله وغير ذلك، وبسبب خلطه التصوف بالفلسفة كما خلط الأصول بالفلسفة، صار ينسب إلى التصوف من ليس هو موافقا للمشايخ المقبولين الذين لهم في الأمة لسان صدق رضي الله تعالى عنهم، بل يكون مباينا لهم في أصول الإيمان، كالإيمان بالتوحيد والرسالة واليوم الآخر، ويجعلون هذه مذاهب الصوفية، كما يذكر ذلك ابن الطفيل صاحب رسالة حي بن يقظان، وأبو الوليد ابن رشد الحفيد، وصاحب خلع النعلين، وابن العربي صاحب الفتوحات وفصوص الحكم، وابن سبعين، وأمثال هؤلاء ممن يتظاهر بمذاهب مشايخ الصوفية وأهل الطريق وهو في التحقيق منافق زنديق، ينتهي إلى القول بالحلول والاتحاد واتباع القرامطة أهل الإلحاد، ومذهب الإباحية الدافعين للأمر والنهي والوعد والوعيد ملاحظين لحقيقة القدر التي لا يفرق فيها بين الأنبياء والمرسلين، وبين كل جبار عنيد وقائلين مع ذلك بنوع من الحقائق البدعية، غير عارفين بالحقائق الدينية الشرعية، ولا سالكين مسلك أولياء الله الذين هم بعد الأنبياء خير البرية، فهم في نهاية تحقيقهم يسقطون الأمر والنهي والطاعة والعبادة، مشاقين للرسول متبعين غير سبيل المؤمنين، ويفارقون سبيل أولياء الله المتقين إلى سبيل أولياء الشياطين، ثم يقولون بالحلول والاتحاد، وهو غاية الكفر ونهاية الإلحاد، ولهذا في كلام المشايخ العارفين كأبي القاسم الجنيد وأمثاله من بيان أن التوحيد هو إفراد الحدوث عن القدم ونحو ذلك، ومن بيان وجوب اتباع الأمر والنهي ولزوم العبادة إلى الموت ما يبين به أن أولئك السادة المهتدين حذروا من طريق هؤلاء الملحدين، ولهذا نجد هؤلاء كابن عربي وابن سبعين وأمثالهما يردون على مثل الجنيد وأمثاله من أئمة المشايخ ويدعون أنهم ظفروا في التحقيق بنهاية الرسوخ، وإنما ظفروا بتحقيق الإلحاد، والدخول في الحلول والاتحاد، وما زال شيوخ الصوفية المؤمنون يحذرون من مثل هؤلاء الملبسين كما حذر أئمة الفقهاء من سبيل أهل البدعة والنفاق من أهل الفلسفة والكلام ونحوهم، حتى ذكر ذلك أبو نعيم الحافظ في أول حلية الأولياء وأبو القاسم القشيري في رسالته دع من هو أجل منهما واعلم منهما بطريقة الصوفية وأقل غلطا وأبعد عن الاعتماد على المنقولات الضعيفة والمنقولات المبتدعة، قال أبو نعيم في أول الحلية:

"أما بعد أحسن الله تعالى توفيقك، فقد استعنت بالله عز وجل، وأجبتك إلى ما أبغيت من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة وبعض أحاديثهم وكلامهم من أعلام المحققين، من المتصوفة وأئمتهم وترتيب طبقاتهم من النساك ومحجتهم من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف الأدلة والحقائق، وباشر الأحوال والطرائق، وساكن الرياض والحدائق، وفارق العوارض والعلائق، وتبرأ من المنقطعين والمتعمقين، ومن أهل الدعاوى من المسوفين، ومن الكسالى والمثبطين المتشبهين بهم في اللباس والمقال، والمخالفين لهم في العقيدة والفعال وذلك لما بلغك من بسط ألسنتنا وألسنة أهل الفقه والأثر في كل الأقطار والأمصار في المنتسبين إليهم، من الفسقة الفجار، والمباحية والحلولية الكفار، وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار، بقادح في منقبة البررة الأخيار، وواضع من درجة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير