يقول ابن تيمية -رحمه الله:" فإن الإنسان عليه أولاً أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما أمر به، وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه، فإن فعل ذلك لطلب الرئاسة لنفسه ولطائفته، وتنقيص غيره، كان ذلك حمية لا يقبله الله، وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطاً، ثم إذا رد عليه ذلك وأوذي أو نسب إلى أنه مخطئ وغرضه فاسد، طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان، فكان مبدأ عمله لله، ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي.
وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة، فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم، وإن كان مجتهداً معذوراً لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم، وإن كان جاهلاً سيئ القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء نفوسهم لا على دين الله ورسوله.
ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس، قال تعالى: ((وقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)) (الأنفال 39)
فإذا لم يكن الدين كله لله كانت فتنة. (منهاج السنة النبوية 5/ 254 - 256 باختصار)
وأصل الدين أن يكون الحب لله، والبغض لله، والموالاة لله، والمعاداة لله، والعبادة لله، والاستعانة بالله ...
وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون جمع ذلك له شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة، وهو الحق، وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته، أو الرياء، ليعظم هو ويثنى عليه، أو فعل ذلك شجاعة وطبعاً، أو لغرض من الدنيا، لم يكن لله، ولم يكن مجاهداً في سبيل الله، فكيف إذا كان الذي يدعي الحق والسنة كنظيره، معه حق وباطل، وسنة وبدعة، ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة؟!
وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، وكفّر بعضهم بعضاً، وفسّق بعضهم بعضاً، ولهذا قال الله تعالى فيهم: ((ومَا تَفَرَّقَ الَذينَ أُوتُوا الكِتَابَ إلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَةُ * ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَة))
* الخلاصة:
من خلال ما تقدم على الإنسان أن يتقي الله عز وجل في نقده وألفاظه، ويخلص النية لله ويتجرد عن الهوى وحظوظ النفس، و لا يتكلم إلا بعلم وعدل وإنصاف ويقدم حسن الظن بالمسلم، ويوازن بين المحاسن والمساوئ، ويجعل لكثرة الحسنات أو قوتها اعتبارها، ويتذكر أن الشخص الواحد غالباً ما يجتمع فيه أمران، فيحمد ويحب بسبب أحدهما، ويذم ويبغض بسبب الآخر، ثم تكون ألفاظه مهذبة ويبتغي بذلك وجه الله تعالى.
فمن سلك هذا السبيل، فيرجى له الصواب والسداد، وعدم التبعة يوم القيامة بما يقول، ومن أخل بشيء مما سبق. فقد وقف على حفرة من حفر النار فلينظر موقع قدمه أن تزل وهو لا يشعر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعلى شباب الدعوة إلى الله أن يستفيدوا من كلام السلف الصالح عند عرض سير أعلام النبلاء فإنهم إذا كان لا بد لهم من الحديث عرضوا ما للشخص وما عليه. وإلا كفوا عن ذلك وشغلتهم عيوبهم عن عيوب غيرهم.
والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه.
ـ[أبو حسن الشامي]ــــــــ[31 - 07 - 03, 02:25 م]ـ
الكتاب بهيئة وورد مضغوط على هيئة ZIP
ـ[سيد عصر]ــــــــ[13 - 05 - 10, 08:21 م]ـ
بارك الله فيك
اقتباس
قال عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه:
قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كُفوا، ولهم كانوا على كشفها أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، وإنهم لهم السابقون، فلئن كان الهدى ما أنتم عليه، لقد سبقتموهم إليه، ولئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، ولقد وصفوا منه ما يكفي، وتكلموا منه بما يشفي، فما دونهم مقصّر، ولا فوقهم محصر، لقد قصر دونهم ناس فجفوا، وطمح آخرون عنهم فغلوا، وإنهم من ذلك لعلى هدى مستقيم.