قال الحافظ ابن حجر: إسحاق، هو ابن منصور، وتردد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه، وإنما جزمت به لقوله: «حدثنا عبدالصمد» فإن إسحاق لا يقول إلا «أخبرنا» ([41]).
وأخرج البخاري حديثاً فقال: حدثنا محمد، أنبأنا أبو معاوية ([42]).
فرجح الحافظ ابن حجر أنه محمد بن سلام، وقال: ويؤيده أنه عبر بقوله «أنبأنا أبو معاوية»، ولو كان ابن المثنى لقال: «حدثنا» لما عُرف من عادة كل منهما ([43]).
وبنحو ما تقدم سار الحافظ على هذا الترجيح في عدد من المواضع في الفتح ([44]).
وقال الحافظ أيضاً: إن إسحاق إذا جاء في البخاري غير منسوب احتمل أن يكون ابن منصور، واحتمل أن يكون ابن راهويه، ويتميز بأن يُنظر في الصيغة، فإن كانت «أخبرنا» تعين أن يكون ابن راهويه، وإلا فهو ابن منصور، فقد أورد البخاري عن إسحاق بن إبراهيم عن يعقوب بن إبراهيم عدة أحاديث، ومعبراً بصيغة أخبرنا، وينسب إسحاق فيها فُيحمل ما أطلقه عليه، مع قرينة الإتيان بصيغة أخبرنا ([45]).
ب – وقد يُعرف عن بعض المحدثين – ممن قد يرد مهملاً – أنهم إذا رووا عن الضعفاء فإنهم لا يذكرونهم بأسمائهم المشهورة، وإنما بكناهم، أو العكس، فإن كان مشهوراً بكنيته ذكره باسمه، لكي لا يُعرف.
فلو اشتبه علينا تحديد أحد المهملين، وكان أحدهما ممن يكني في روايته عن الضعفاء، وأما الآخر فلا، ووجدنا هذا المهمل يروي عن هذا الضعيف باسمه الصريح، لترجح لدينا أنه الآخر الذي لا يكني في روايته عن الضعفاء، وهكذا.
وينطبق هذا على السفيانين، فقد عُرف عن الثوري أنه إذا حدّث عن الضعفاء كنّاهم.
قال الحاكم: مذهب سفيان بن سعيد أن يُكني المجروحين من المحدثين إذا روى عنهم، مثل: بَحر السّقّاء، فيقول: حدثنا أبو الفضل، والصلت بن دينار، يقول: حدثنا أبو شعيب، والكلبي، يقول: حدثنا أبو النضر، وسليمان بن أرقم، يقول: حدثنا أبو معاذ ([46]).
وقال يعقوب بن سفيان عن عبيدة بن معتب الضبي: وحديثه لا يسوى شيئاً، وكان الثوري إذا حدّث عنه كنّاه، قال أبو عبدالكريم: ولا يكاد سفيان يُكني رجلاً إلا وفيه ضعف، يكره أن يُظهر اسمه فينفر منه الناس ([47]).
وقال يعقوب بن سفيان: سليمان بن قسيم أبو الصباح ضعيف، وكان سفيان يكنيه لكي يدلسه؛ قال: حدثني أبو الصباح بن قسيم ([48]).
وقال البخاري: حبيب بن أبي الأشرس … كان الثوري يروي عنه ولا ينسبه ([49]).
قلت: وحبيب هذا قال عنه البخاري: منكر الحديث ([50]).
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن محمد الطنافسي، قال: سألت وكيعاً عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم، فقال: كان سفيان لا يُسمي ليثاً ([51]).
قلت: يعني أنه يذكره بكنيته؛ لأنه ضعيف ([52]).
وقال شعبة: إذا حدثكم سفيان عن رجل لا تعرفوه فلا تكتبوا؛ فإنما يحدثكم عن مثل أبي شعيب المجنون ([53]).
وقال عبدالله بن أحمد: سألت أبي عن الصلت بن دينار، فقال: ترك الناس حديثه، متروك، ونهاني أن أكتب من حديثه شيئاً، وقال: سفيان الثوري يكنيه أبا شعيب ([54]).
وقال الآجري: سألت أبا داود عن عبدالقدوس الشامي، فقال: ليس بشيء، وابنه شرٌ منه، روى عنه سفيان الثوري فقال: حدثنا أبو سعيد ([55]).
وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبدالرحمن لا يحدثان عن الحسن بن دينار، وكان سفيان الثوري يقول: أبو سعيد السليطي ([56]).
وقال عمرو بن علي: كان يحيى وعبدالرحمن لا يحدثان عن عبدالله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، وكان سفيان إذا حدث عنه قال: حدثنا أبو عباد ([57]).
ونقل الزركشي في كلامه عن التدليس عن ابن السمعاني قال: ومنه (يعني التدليس) تغيير الأسامي بالكنى، والكنى بالأسامي لئلا يُعرفوا، وقد فعله سفيان الثوري ([58]).
وروى البيهقي في المدخل عن محمد بن رافع، قال: قلت لأبي عامر: كان الثوري يُدلس؟ قال: لا. قلت: أليس إذا دخل كورة يعلم أن أهلها لا يكتبون حديث رجل، قال: حدثني رجل. وإذا عُرف الرجل بالاسم كنّاه، وإذا عُرف بالكنية سمّاه؟ قال: هذا تزيين ليس بتدليس ([59]).
وقال الذهبي في ترجمة الثوري: وكان يُدلس في روايته، وربما دلّس عن الضعفاء، وكان سفيان ابن عيينة مُدلساً ولكن ما عُرف له تدليس عن ضعيف ([60]).
¥