وبناءً على ما تقدم فلو وجدنا رواية ذُكر فيها سفيان مهملاً، وكانت هذه الرواية عن أحد المجروحين ممن اشترك الثوري وابن عيينة في الرواية عنهم، وعُدمت المرجحات الأخرى، فحينئذ يمكننا الترجيح بالنظر في تسمية شيخهما، فإن كان ذُكر باسمه ترجح أن سفيان هو ابن عيينة، وإن وجدناه مذكوراً بكنيته فيترجح هنا أن سفيان هو الثوري، وهكذا.
ج – وقد يُعرف عن أحد الرواة المهملين أنه مختص بأحد شيوخه ممن اشترك هو وغيره في الرواية عنهم.
فهنا يحمل هذا الراوي المهمل على من كان له اختصاص بهذا الشيخ.
ومثاله: إذا وجدنا رواية لسفيان مهملاً، واتحد الراوي عنهما، وكان شيخ سفيان هو عمرو بن دينار مثلاً وهو من شيوخهما معاً، وعُدمت المرجحات الأخرى. فهنا نُرجح أن سفيان هو ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة مشهور بالرواية عن عمرو، ومعدود من أخص أصحابه به، دون الثوري.
د- ومنها أن يُعرف عن الراوي المهمل أنه مثلاً لا يملي الحديث، أو أنه أملى أحاديث معدودة، أو لإناس محدودين كما كان يفعل سفيان الثوري.
قال ابن معين: كان سفيان الثوري لا يملي الحديث، إنما أملى عليهم حديثين؛ حديث الدجال، وحديث خطبة ابن مسعود. قيل له: فأهل اليمن؟ قال: قد أملى على أهل اليمن؛ كانوا عنده ضعافاً فأملى عليهم ([61]).
ويمكننا الاستفادة من النص السابق فيما لو وجدنا حديثاً، ورد فيه اسم سفيان مهملاً، ولم يترجح لنا تحديد أي السفيانين هو، ووجدنا الراوي عن سفيان يقول: حدثنا سفيان إملاءً، فإن كان هذا الراوي من غير أهل اليمن، ولم يكن الحديث من الحديثين المذكورين، فهنا يترجح أن سفيان هو ابن عيينة، لأن الثوري لم يكن من عادته إملاء الحديث، وهكذا.
هـ – وقد يُعرف عن بعض المحدثين أنهم إذا كان الراوي مشهوراً بلقب، وكان لا يرضاه فإنهم لا يسمونه به وإن اشتهر به. ومن هؤلاء سفيان الثوري.
قال الحاكم عند كلامه على الألقاب: إن فيهم – يعني المحدثين – جماعة لا يُعرفون إلا بها، ثم منهم جماعة غلبت عليهم الألقاب وأظهروا الكراهية لها، فكان سفيان الثوري إذا روى عن مسلم البَطين يجمع يديه ويقول: مسلم، ولا يقول: البطين ([62]).
وعلى هذا فلو وجدنا رواية لسفيان مهملاً وكانت عن مسلم البطين، ووجدنا اسم مسلم مقروناً بلقبه، فهنا يغلب على الظن أن سفيان هو ابن عيينة؛ لأن الثوري عُرف عنه أنه لا يذكره بلقبه.
و- وقد يُعرف عن أحد الرواة – ممن قد يرد مهملاً – أنه لا يُحدِّث أهل البدع، أو لا يروي عنهم، ونحو ذلك، فهذا أيضاً يفيد في تحديد الراوي المهمل أحياناً.
وممن عُرف عنه أنه امتنع عن الرواية عن المبتدعة، ومنع الرواية عنهم: الإمام مالك، وابن عيينة، والحميدي وغيرهم ([63]).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا صالح، حدثنا علي، قال: سمعت سفيان – يعني ابن عيينة – وسئل عن عبدالرحمن بن إسحاق فقال: عبدالرحمن بن إسحاق كان قدرياً، فنفاه أهل المدينة، فجاءنا هاهنا فلم نجالسه ([64]).
وأخرج الخطيب من طريق سويد بن سعيد قال: قيل لسفيان بن عيينة: لم أقللت الرواية عن سعيد بن أبي عروبة؟ قال: وكيف لا أقل الرواية عنه وسمعته يقول: هو رأيي ورأي الحسن ورأي قتادة، يعني القدر ([65]).
وأخرج العقيلي عن ابن عيينة أنه قال: كان الفضل بن عيسى الرقاشي قدرياً، وكان أهلاً أن لا يُروى عنه ([66]).
وفي المقابل ذُكر أن الثوري ممن ذهب إلى قبول أخبار أهل الأهواء الذين لا يُعرف منهم استحلال الكذب ([67]).
وعلى هذا فلو وجدنا رواية لسفيان مهملاً، وعُدمت المرجحات الأخرى، ثم وجدنا شيخ سفيان من أهل البدع، فحينئذ يمكن أن نقول أن سفيان هنا هو الثوري؛ لأن ابن عيينة عُرف عنه أنه امتنع من الرواية عن المبتدعة.
ز- وقد يُعرف عن الراوي المهمل أنه لم يرو عن شيخ من شيوخه إلا أحاديث معدودة، أو محددة.
كأن نعرف أن الثوري مثلاً لم يرو عن أحد شيوخه – ممن اشترك مع ابن عيينة في الرواية عنهم – إلا حديثاً واحداً فهنا يُحمل سفيان إذا ورد مهملاً على أنه ابن عيينة.
ومن النصوص التي وقفت عليها في ذلك وكان الشيخ ممن اشتركا في الرواية عنه ما يلي:
¥