التابعين وتابعيهم، وهلُمَّ جراً إلى اليوم.
1ـ فمثلُ يحيى القطان، يقال فيه: إمامُ، وحُجَّة، وثَبْت، وجِهْبِذ،
وثِقَةُ ثِقَة.
2ـ ثم ثقةُ حافظ.
3ـ ثم ثقةُ مُتقن.
4ـ ثم ثقةُ عارف، وحافظُ صدوق، ونحوُ ذلك.
فهؤلاء الحُفَّاظُ الثقات، إذا انفرد الرجلُ منهم من التابعين، فحديثهُ
صحيح. وإن كان من الأتباعِ قيل: صحيح غريب. وإن كان من
أصحاب الأتباع قيل: غريبُ فَرْد.
ويَنْدُرُ تفرُّدهم، فتجدُ الإمامَ منهم عندهَ مِئتا ألف حديث، لا يكادُ
ينفرد بحديثينِ ثلاثة.
ومن كان بعدَهم فأين ما يَنفرِدُ به، ما علمتهُ، وقد يوُجَد.
ثم نَنْتَقِلُ إلى اليَقِظ الثقةِ المتوسِطِ المعرفةِ والطلب، فهو الذي يُطلَقُ
عليه أنه ثقة، وهم جُمهورُ رجالِ ((الصحيحين)) فتابِعِيُّهم، إذا انفَرَد
بالمَتْن خُرَّج حديثهُ ذلك في (الصحاح).
وقد يَتوقَّفُ كثيرُ من النُّقاَّد في إطلاق (الغرابة) مع (الصحة)،
في حديثِ أتباعِ الثقات. وقد يُوجَدُ بعضُ ذلك في (الصحاح) دون
بعض.
وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم،
وحفصِ بنِ غِياثٍ: منكراً
فإن كان المنفرد من طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ على ما
انفرد مثلُ عثمان بن أبي شيبة، وأبي سَلَمة التَّبُوْذَكِي، وقالوا: هذا منكر.
فإن رَوَى أحاديثَ من الأفراد المنكرة، غَمَزُوه وليَّنوا حديثَه، وتوقفوا
في توثيقه، فإن رَجَع عنها وامَتَنع من روايتها، وجَوَّز على نفسِه الوَهَمَ،
فهو خيرُ له وأرجَحُ لعدالته، وليس من حَدِّ الثقةِ: أنَّهُ لا يَغلَطُ ولا يُخطِئ،
فمن الذي يَسلمُ من ذلك غيرُ المعصومِ الذي لا يُقَرُّ على خطأ.
فصل
الثقة: من وثَّقَه كثيرٌ ولم يُضعَّف. ودُونَه: من لم يُوثق ولا ضُعِّف.
فإن حُرِّج حديثُ هذا في ((الصحيحين))، فهو مُوَثَّق بذلك، وإن
صَحَّح له مثلُ الترمذيِّ وابنِ خزيمة فجيِّدُ أيضاً، وإن صَحَّحَ له
كالدارقطنيِّ والحاكم، فأقلُّ أحوالهِ: حُسْنُ حديثه.
وقد اشتَهَر عند طوائف من المتأخرين، إطلاقُ اسم (الثقة) على
من لم يُجْرَح، مع ارتفاع الجهالةِ عنه. وهذا يُسمَّى: مستوراً، ويُسمىَّ:
محلهُّ الصدق، ويقال فيه: شيخ.
وقولهم: (مجهول)، لا يلزمُ منه جهالةُ عينِه، فإن جُهِلَ عينُه
وحالُه، فأَولَى أن لا يَحتجُّوا به.
وإن كان المنفردُ عنه من كبارِ الأثبات، فأقوى لحاله، ويَحتَجُّ بمثلِه
جماعةٌ كالَّنسائي وابنِ حِباَّن.
ويَنْبُوعُ معرفةِ (الثقات): تاريخُ البخاريِّ، وابنِ أبي حاتم، وابنِ
حِبَّان، وكتابُ ((تهذيب الكمال)).
فصل
من أَخرَج له الشيخان على قسمين:
أحدُهما: ما احتَجَّا به في الأصول. وثانيهما: من خرَّجا له متابعةً
وشَهادَةً واعتباراً.
فمن احتَجَّا به أو أحدُهما، ولم يُوثَّق، ولا غُمِزَ، فهو ثقة، حديُثُه
قوي.
ومن احتَجَّا به أو أحدُهما، وتُكلِّم فيه:
فتارةً يكون الكلامُ فيه تعنُّتاً، والجمهورُ على توثيقِه، فهذا حديثُهُ
قويّ أيضاً.
وتارةً يكون الكلامُ في تليينِهِ وحِفظِهِ له اعتبار. فهذا حديثهُ لا يَنحطُّ
عن مرتبة الحسَن، التي قد نُسمِّيها: من أدنى درجات (الصحيح)
فما في ((الكتابين)) بحمد الله رجلٌ احتَجَّ به البخاريُّ أو مسلمٌ
في الأصولِ، ورواياتُه ضعيفة، بل حَسَنةٌ أو صحيحة.
ومن خَرَّجَ له البخاريُّ أو مسلمٌ في الشواهد والمتابَعات، ففيهم من
في حِفظِه شيء، وفي توثيِقه تردُّد. فكلُّ من خُرِّجَ له في ((الصحيحين))،
فقد قَفَزَ القَنْطَرة، فلا مَعْدِلَ عنه إلا ببرهانٍ بَيِّن.
نعم، الصحيحُ مراتب، والثقاتُ طَبَقات، فليس مَنْ وُثِّق مطلقاً
كمن تُكلِّمَ فيه، وليس من تُكلِّم في سُوءِ حفظِه واجتهادِه في الطَّلَب،
كمن ضعَّفوه ولا من ضعَّفوه ورَوَوْا له كمن تركوه، ولا من تركوه
كمن اتَّهموه وكذَّبوه.
فالترجيحُ يَدخُلُ عند تعارُضِ الروايات. وحَصْرُ الثقاتِ في مصنَّفٍ
كالمتعذِّر. وضَبْطُ عَدَدِ المجهولين مستحيل.
فأمَّا من ضُعِّفَ أو قيل فيه أدنى شيء، فهذا قد ألَّفتُ فيه مختصراً
سمَّيتُه بـ ((المغني))، وبَسَطتُ فيه مؤلَّفاً سَمَّيتُه بـ ((الميزان)).
فصل
¥