قال شيخنا: وهل تُقبَلُ روايةُ المبتدِع فيما يؤيِّدُ به مذهبَه؟ فمن
رأى رَدَّ الشهادةِ بالتُّهْمَة،لم يَقبَل. ومن كان داعيةً مُتَجاهِراً ببدعتِه،
فليُترَك إهانةً له، وإخماداً لمذهبِه، اللهم إلا أن يكون عنده أثَرٌ تفرَّدَ به،
فنُقدَّمُ سَمَاعَهُ منه.
ينبغي أن تُتَفَقَّدَ حالَ الجارح مع من تَكلَّم فيه، باعتبار الأهواء فإن لاح
لك انحرافُ الجارح ووجدتَ توثيقَ المجروح من جهةٍ أخرى، فلا تَحفِلْ
بالمنحرِف وبغَمْزِه المبهَم، وإن لم تجد توثيقَ المغموز فتأَنَّ وترفَّقْ.
قال شيخُنا ابنُ وَهْب رحمه الله: ومن ذلك: الاختلافُ الواقعُ بين
المتصوِّفة وأهلِ العلمِ الظاهرِ، فقد وَقَع بينهم تنافُرٌ أوجَبَ كلامَ بعضِهم
في بعض.
وهذه غَمْرَةٌ لا يَخلُصُ منها إلا العالمُ الوَافي بشواهد الشريعة.
ولا أَحْصُرُ ذلك في العلم بالفروع، فإنَّ كثيراً من أحوال المُحِقِّينَ من
الصوفية، لا يَفِي بتمييزِ حَقِّه من باطِلِه عِلمُ الفروع، بل لا بُدَّ من معرفةِ
القواعدِ الأصولية، والتمييزِ بين الواجبِ والجائز، والمستحيلِ عقلاً
والمستحيلِ عادَةً.
وهو مقامٌ خَطِر، إذ القادِحُ في مُحِقَّ الصُّوفية، داخلٌ في حديث
((من عادَى لي وَلِيّاً فقد بارَزَني بالمُحارَبة)). والتارِكُ لإنكارِ الباطلِ مما
سَمِعَه من بعضِهم تاركٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن ذلك: الكلامُ بسبب الجهل بمراتب العلوم، فيُحتاجُ إليه في
المتأخرين أكثَرُ، فقد انتَشَرَتْ علومٌ للأوائل، وفيها حَقٌّ كالحسابِ
والهندسةِ والطِّبٌ، وباطلّ كالقولِ في الطبيعيَّاتِ وكثيرٍ من الإلهيَّاتِ
وأحكامِ النجوم.
فيَحتاجُ القادحُ أن يكون مُميِّزاً بين الحقِّ والباطل، فلا يُكفِّرَ من
ليس بكافر، أو يَقبلَ رواية الكافر.
ومنه: الخَلَلُ الواقعُ بسببِ عَدَمِ الوَرَعِ والأَْخْذِ بالتوهُّم والقرائنِ
التي قد تَتخلَّفُ، قال ?: ((الظَّنُّ أكذَبُ الحديث)) فلا بد من العلم
والتقوى في الجَرْح، فلصُعُوبةِ اجتماع هذه الشرائط المزكِّين، عَظُمَ خَطَرُ
الجَرْح والتعديل.
24ـ المُؤْتلفِ والمختلِف:
فَنٌّ واسعٌ مهم، وأهمُّه ما تكرَّر وكَثُر، وقد يَنْدُرُ كأَجْمَد بن
عُجْيَان، وآبِي اللَّحْم، وابنِ أَتَشٍ الصَّنْعَاني، ومحمد بن عَبَادَة الواسِطي العِجْلي، ومحمد بن حُبَّان الباهِلي وشُعَيثِ بن مُحَرَّر. والله أعلم
*********
- إحصل على نسخة من الكتاب على ملف وورد
ـ[أهل الحديث]ــــــــ[06 - 08 - 03, 04:55 ص]ـ
جزاك الله خيرا وسددك، وهذا الكتاب موجودضمن مكتبة الملتقى
http://www.ahlalhdeeth.com/library/books-1.htm