والغريب حقاً، أن يعتقد الدكتور جابر عصفور أن الدولة المدنية نقيض الدولة الإسلامية، وكنت أظنه في البداية يقصد بالدولة المدنية، الدولة النقيض للدولة البوليسية أو الدولة العسكرية أو الدولة التي تحميها الطوارئ وتأخذ فيها الديمقراطية الحقيقية إجازة مفتوحة، وللأسف اكتشفت أنه يقصد بالدولة المدنية الدولة التي لا تبقي للإسلام على أثر، بل تستأصله من حياتها تماماً، وإذا أبقت على أثر فهي دولة دينية بالمفهوم الكنسي، على غرار الدولة الدينية في العصور الوسطى المظلمة بأوروبا .. وبالتأكيد فإن جابر عصفور لا يرى غضاضة في تدخل الفاتيكان في الشؤون السياسية الدولية، ولا تدخل البطريرك الأرثوذكسي الروسي في حرب الشيشان ومباركته لتدمير جروزني وسحق المسلمين، ولا تدخل البطريرك الأرثوذكسي الصربي في تأييد ميلوسوفيتش وكاراديتش ومباركتهما لذبح المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا، ولا تدخل البطريرك نفسه في تأييد مرشح المعارضة الصربية لرئاسة الجمهورية، وعدّه الفائز في الانتخابات ... ولا ... ولا ...
بيد أن الدكتور عصفور يقيم الدنيا ولا يقعدها لأن المصريين أو العرب أو المسلمين يريدون إقامة دولة إسلامية على أسس العدل والشورى والمساواة والأخلاق والرحمة، فهذه الدولة دينية كهنوتية في مفهومه، وهي أخطر من دولة صلاح نصر وحمزة البسيوني وصدام حسين!.
لقد أرسى الإسلام الحنيف قيمة التسامح بصورة غير مسبوقة في التاريخ، ورفض العنصرية والاستعلاء المرذول والكبر في صورها المختلفة، وجعل المنتمين إليه أحراراً تحت راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ودوت مقولة عمر في أرجاء الأرض "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، ودعا القرآن الكريم إلى الدفع بالتي هي أحسن، وحرّض على العفو الذي هو أقرب للتقوى: فهل يحق لنا بعدئذ أن نتهم الإسلام بأنه ضد الدولة المدنية، ونكفِّر الداعين إليه حين نصفهم "بالتأسلم"، ونخلط ظروف العنف والعنف المضاد، بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لنسحب على الإسلام صفات الدم والقتل والجهل والمؤامرة؟
لا ريب أن الدكتور عصفور يغالط كثيراً حين يستخدم مفهوم الدولة الدينية في مقابل الدولة الإسلامية، ومفهوم المجتمع المدني في مقابل المجتمع الإسلامي، ومفهوم الحرية الغربية مقابل التسامح الإسلامي، ومفهوم التعصب ضد الإسلام، فالتعصب المقيت والخطير كان السمة الأساسية في فكر اليساريين والدنيويين الذين ينافح عنهم الدكتور عصفور.
(انتهى المقال)
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[21 - 09 - 06, 09:28 ص]ـ
جزاكم الله خيرا، لكن الرابط لا يعمل!
وجزى الله الأخ الكريم على المقال الرائع، وحفظ الله الأستاذ القاعود وأطال في عمره ونفع به ....
ـ[أبو العباس السوسي]ــــــــ[21 - 09 - 06, 04:17 م]ـ
المرجو الذهاب الى موقع مجلة العربي على الانترنت:
http://www.alarabimag.com
والذهاب الى كتاب العربي.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[28 - 09 - 06, 10:47 ص]ـ
لم استطع الوصول إليه أخي، اما من رابط مباشر؟
ـ[أبو العباس السوسي]ــــــــ[28 - 09 - 06, 05:56 م]ـ
هاكم الكتاب محملا على صيغة وورد
ودمتم سالمين.
ـ[أبوعبدالرحمن الدرعمي]ــــــــ[28 - 09 - 06, 06:22 م]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرا اخي الحبيب