4) - عن المعرور بن سويد قال: خرجنا مع عمر في حجة حجها, فقرأ بنا في الفجر (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) و (لإيلاف قريش) فلما قضى حجه, ورجع الناس يبتدرون, قال: ما هذا؟ فقيل له: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هكذا هلك أهل الكتاب, اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا, من عرضت له منكم فيه الصلاة فليصل, ومن لم تعرض له فيه منكم صلاة فلا يصل. (د).
(د):-رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) بسند صحيح.
خاتمة
هذه أربعون حديثا مرفوعة وبضع آثار موقوفة, جمهرتها صحيحة , وبعضها ضعيف اللفظ صحيح المعنى (على أننا لم نستوعب ما في الباب من أحاديث وآثار) من تأملها ووقف على أسانيدها وطرقها وألفاظها وشواهدها أيقن أنها متواترة المعنى, مستفيضة المبنى, تفيد العلم بمضمونها: من تحريم البناء (عموما) على القبور, واتخاذها مساجد, وفساد الصلاة عليها وإليها (لأن النهي يقتضي الفساد, ولا سيما إذا كان مقرونا باللعن المؤكد, وشهادة بشّريّة الخلق , الشيء الذي يدل على أنه من كبائر الذنوب).
* ثم إن المعنى المفهوم من اتخاذ القبور مساجد , لا يخرج عن ثلاثة أمور: 1) - بناء المساجد عليها, وقصد الصلاة فيها.
2) -أو الصلاة عليها.
3) -أو استقبالها بالصلاة إليها.
وقد نقل شرّاح الحديث كلام علماء السلف في هذه الأمور التي يشملها منطوق هذه الأحاديث المتواترة , وأعجب العجب أن يتواصى المقلدون من فقهاء عصور الجهل والظلام والانحطاط العلمي والفكري , بالإعراض عن هذا النور الإلهي, والوحي المحمدي , وإلغاء العمل به واكتفاء بتقليد غير المعصومين ممن اجتهد فأخطأ جزما (لأنه لا اجتهاد مع النص و هذه عشرات النصوص المتواترة في الموضوع) معذورا وقضى حميدا بعد أن أعلن البراءة ممن قلّده مقدما بين يدي الله ورسوله ,ومتخيرا بعد أن قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أمرا, ومن أتيح له الوقوف على كتب الأئمة السابقين و تلاميذ تهم من تابعين ومتبوعين , ممن كانوا أقرب إلى العصور المشهود لها بالخيرية , على لسان النبوة, علم أنهم كانوا يتحرجون من الكلام في دين الله بالهوى والرأي, ويحتاطون في الفتوى, ويتحرون الحق كثيرا, فلا تجد في أقوالهم إطلاق الكلام بجواز بناء المساجد على القبور, والصلاة عليها أو إليها, بل تراهم يصرحون بتحريم ذلك وكراهيته (على أنهم يعنون بالكراهة. التحريم في الغالب.أو ما يقارب التحريم , بخلاف اصطلاح المتأخرين الذين أهلكوا من دين الله الحرث والنسل) ويفتون بهدم ما يبنى من ذلك عليها (كما حكى الشافعي رحمه الله في (الأم) أنه أدرك العمال يهدمون ما يبنى على القبور) ويحذرون من إيقاد السرج عليها, وتعظيمها المؤدي بصاحبها إلى
الفتنة بها, وعبادة أصحابها, بدعائهم والإلتجاء إليهم مما هو عين الشرك الأكبر والعياذ بالله تعالى, وإن عاند المبطلون, وكبار الجاهلون, وتحامق الغالبون, وتحامل المتأولون, الذين شقيت بهم العقول والمذاهب, والأوطان, قطع الله دابر هم , وكفى المسلمين شرهم, وقد قال ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد/525 ط مؤسسة الرسالة): فصل," ونهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ القبور مساجد, وإيقاد السرج عليها, واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعله, ونهى عن الصلاة إلى القبور ونهى أمته أن يتخذوا قبر ه عيدا, ولعن زوارات القبور, وكان هديه أن لا تهان القبور وتوطأ, وأن لا يجلس عليها, ويتكأ عليها ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد فيصلى عندها وإليها, وتتخذ أعيادا أو أوثانا", ثم انعكس الأمر, وانقلب الوضع, فأصبح المسجد ملازما للقبر, وتواصى ملوك العجم وأمراء الترك والفرس, ببناء الترب والتكايا لدفنهم فيها, وأصبح معتادا عندنا في المغرب بالبوادي تلازم المساجد والمقابر, فلا يبنى مسجد إلا وسط مقبرة ولا يدفن الموتى إلا بجوار مسجد حوله أو داخله, وهذا بطبيعة الحال من أثر هذا الفقه المعكوس, والفهم المنكوس, الذي درج عليه المتأخر ون قاطبة إلا من رحم ربك من أهل الحديث والأثر, وقليل ما هم, وزاد الطينة بلة والطنبور نغمة, تدخل الصوفية في الأمر, وغلوهم في المشاهد والأضرحة, وعبادة الموتى, مما أخذوه عن أسلافهم الروافض الذين هم أول من قدس القبور, ووضع لها المناسك والأدعية.
¥