قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (قَوْلَهُ: " إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ " هُوَ خَبَرٌ تَضَمَّنَ نَهْيًا. فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي اتَّبَعَتْهُ هِيَ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ أُمِّيَّةٌ لَا تَكْتُبُ وَلَا تَحْسُبُ. فَمَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. بَلْ يَكُونُ قَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهَا وَالْخُرُوجُ عَنْهَا مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ الْمَذْكُورَانِ مُحَرَّمَيْنِ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا) ا. هـ
الرابع: مخالفة السنة العملية المستمرة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم في عدم العمل بالحساب ولا الاستئناس به ولا خلطه بالرؤية فقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات وصام من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم قريبا من ثلاثين رمضانا، ولم عن واحد منهم الالتفات للحساب الفلكي. عن العرباض ابن سارية قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من يعش منكم بعدي يرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي , عضوا عليها بالنواجذ [و إياكم و محدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة] " رواه أصحاب السنن والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين له وابن أبي عاصم في السنة، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (6/ 526).
فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد خالف السنة العملية المستمرة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه الراشدين رضي الله عنهم.
يوضحه: الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ لمسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". قال العلماء: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام , و هو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو صريح فى رد و إبطال جميع البدع والمحدثات، واللفظ الأول أعم فإنه يشمل كل من عمل بالبدعة و لو كان المحدث لها غيره. فمن عمل بالحساب الفلكي أو قدمه على الرؤية أو جمع بينهما يكون قد أحدث في الدين ما ليس منه، ويكون عمله مردود عليه. السادس: مخالفة السنة الثابتة عن النبى صلى الله عليه وسلم في قبول شهادة العدول من المسلمين على رؤية الهلال في دخول شهر رمضان وخروجه والعمل بها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " تراءَى الناس الهلال فأخبرت النبى صلى الله عليه وسلم أنى رأيته فصام و أمر الناس بصيامه " رواه أبو داود وصححه الحاكم والذهبي وابن حزم وابن حجر والألباني.
السابع: من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة تلبيس الحق بالباطل، حتى يصير الحساب مقدما على الرؤية وحاكما عليها، فلا تقبل إلا إذا شهد لها الحساب، فيصير كلام الحُسَّاب والفلكيين والمتكلفين والظانين ممن لاتعرف ديانته وعدالته مقدما على كلام قضاة الشرع وكتاب العدل والشهود المعدَّلين.
الثامن: من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة تزهيد الناس في ترائي الهلال والتبليغ برؤيته، والقطع بعدم ولادته أو عدم إمكان رؤيته، فينصرف الناس عن سنة تراءي الهلال المستمرة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وغيره.
التاسع: من مفاسد العمل بالحساب الظاهرة بلبلة أفكار العوام وبعض المنتسبين إلى العلم وتشكيكهم في شهادة العدول على رؤية الهلال في دخول شهر رمضان وخروجه.
العاشر: من مفاسد العمل بالحساب الطعن في شهود الشرع ورميهم بالتسرع في تأدية الشهادة، وأنهم يأخذون مالا مقابل التبليغ بالرؤية، والطعن فيهم بمجرد الظن.
الحادي عشر: من مفاسد العمل بالحساب الطعن في قضاة الشرع الشريف ورميهم بالتساهل في قبول الشهادة على رؤية الهلال، وهذا من سوء الظن بالقضاة والشهود، وإبطال لححج الشرع وبيناته.
الثاني عشر: من مفاسد العمل بالحساب الطعن في ولاة الأمر الذين يعملون بحكم القضاة بقبول شهادة العدول على رؤية الهلال ويأمرون الرعية بالعمل بشهادتهم.
¥