فإن لم يكن فى الكلام رمز لا يدرك معناه إلا أهله، فإنه وكما يظهر لى تكريس للسلطة القائمة، عادلة أو ظالمة باعتبارها ظل الله فى الأرض، هو ولاها، واستخدمها فينا، وليس لنا كمحكومين أى دخل فى هذه الولاية، ومع ذلك تلزمنا الطاعة لأنها حق السلاطين، وتحرم علينا المقاومة لأنها اعتداء على ترتيب الله.
وما دام الأمر هكذا فحق السلطان فى المحكومين مطلق، ليس محكوما بعدل أو مراجعة، لأنه يمضى فى الناس بترتيب الله، وهو خادم الله لإقامة الصلاح، وأحكامه القاسية ليست ظلما، بل انتقاما للغضب من الذى يفعل الشر ()
وحيث لا ناموس – شريعة – يتحاكم إليه الحاكم والمحكوم فالحكم للسلطان وحده، يمضيه حسبما ينفث الروح فى قلبه.
حـ- الحجر على الحكمة:
وأخطر ما جاء فى هذه التعاليم. الحجر على العقول والأفهام.
ففى الأسطر الأولى من رسالته إلى أهل كورنثوس (1: 17 – 19) يقول "لأن المسيح لم يرسلنى لأعمد بل لأبشر، لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح. فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عند المخلصين فهى قوة الله. لأنه مكتوب: سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء ".
ويتكرر تبرير هذا الحجر، أو التوصية به فى غير موضع من هذه الرسالة - إلى أهل كورنثوس – وغيرها.
ومن ذلك مثلا:
ما جاء فى الإصحاح الثانى منها 4، 12 – 13 " وكلامى وكرازتى لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة، لكى لا يكون إيمانكم بحكمة الناس، بل بقوة الله ……… ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذى من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. التى لا نتكلم بها أيضا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس .. ".
وفى (3: 19 – 21) " إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم فى هذا الدهر فليصر جاهلا لكى يصير حكيما، لأن حكمة هذا العالم هى جهالة عند الله لأنه مكتوب: الآخذ الحكماء بمكرهم. وأيضا الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة ".
وفى رسالته إلى أهل كولوسى (2: 8) " انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم، وليس حسب المسيح".
وفى رسالته إلى تيموثاوس يوصيه بأهل أفسس (1: 3 – 4) " كما طلبت إليك أن تمكث فى أفسس …. لكى توصى قوما أن لا يعلموا تعليما آخر. ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها، تسبب مباحثات دون بنيان الله الذى فى الإيمان ".
وفى (6: 3 – 4) " إن كان أحد يعلم تعليما آخر ولا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذى هو حسب التقوى فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئا، بل هو متعلل بمباحثات ومماحكات الكلام ".
والكلام الصحيح فى الإيمان والمحبة هو ما سمعه منه فقط كما يوصى تيموثاوس فى رسالته الثانية إليه (1: 13).
ويكرر عليه فى هذه الرسالة (2: 14) " فكر بهذه الأمور مناشدا قدام الرب ألا يتماحكوا بالكلام لشئ لهدم السامعين "، وفى (2: 23) " والمباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها عالما أنها تولد خصومات " ويحذره فى (14: 14 – 15) من إسكندر النحاس لأنه قاوم أقواله جدا.
وبنفس الوصية كتب إلى تيطس (9:3) يقول " وأما المباحثات الغبية والأنساب والخصومات والمنازعات الناموسية فاجتنبها لأنها غير نافعة وباطلة ".
فهذه النصوص فى إبادة الحكمة ورفض الفهم بما فى ذلك فهم الناموس تهدم التراث كله، سماوى وإبداعى، تقطع صلة الحاضر بكل الماضى، وتنفى كل معرفة حاضرة إلا ما كانت من إخبارات القديسين الموافقة لكلام القديس بولس فى الإيمان والمحبة.
فإذا كان الأتباع يدينون بها حقا فلا شك أنهم سيسقطون من نظرهم كل التجربة البشرية، كما سيسقطون من الناموس – العهد القديم أو الشريعة – كل ما لا يرضى عنه بولس، دون مباحثة، لأنها غير نافعة وباطلة.
¥