تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويبدو أنهم قد صاروا إلى ذلك فعلا، بدليل هذا العصر المظلم الطويل، حيث كانوا " فى ركود وتزمت مطلق، توقف البحث العلمى ليس بسبب التوراة والإنجيل، وإنما – وعلينا أن نكرر ذلك - بأيدى هؤلاء الذين كانوا يدعون أنهم خدام التوراة والإنجيل " ()، فتوالت توصياتهم بالابتعاد عن الكتب والمؤلفات اليونانية، فما حكمة سقراط ومن تبعه من الفلاسفة ألا (وحى شيطان رجيم)، وما (الفلاسفة إلا بطاركة الهراطقة)، وكما يقول القديس جيروم (إن الكاهن الذى يهجر الإنجيل والأنبياء، ويقرأ كوميديات الإغريق، ويتغنى بأشعار الرعاة، ويتشبث بفرجيل يفعل ما يعد خطيئة لا يمكن غفرانها)، بل إن تعلم النحو خطيئة فى نظر البابا جريجورى الأول – 590 - 604. ففى رأيه (لا يجتمع مدح المسيح ومدح جوبتر فى فم واحد) ()

المطلب الثانى

الأحبار بعد بولس

توارث الأحبار صنيعة القديس بولس، فكانت وصاياهم وكتاباتهم تعبر غالبا عن احتياجات واهتمامات وعقائد الكنائس الأولى، أكثر من تركيزها على سرد وقائع الأحداث الأصلية.

وعلى ما يذكر الباحثون الغربيون – الذين يدينون بعقيدة القوم - فإن " السرد الإنجيلى لوقائع عذابات المسيح وموته – فى رأيهم – مشوش تشويشا تاما، وربما حدث ذلك لأن مسيحى ذلك العصر كانوا يرغبون فى الانفصال التام عن اليهود، لذا نراهم يلقون مسئولية موت المسيح على اليهود، وليس على الرومان، أما أقوال المسيح فلم يسجل منها إلا أقل القليل " ().

ومع قلة المعرفة – بل ضآلتها – بأقوال السيد المسيح كان من الضرورى لربط الأتباع بالكنيسة ترسيخ مبدأ أن الروح يتدخل ويعمل كبديل للمسيح باعتباره "بارقليطا" أو وسيطا قادرا على كل شئ. ().

وبشئ من التعسف فى مفهوم " الرسول " أصبح كثيرون من المتكلمين باسم الكنيسة لا يتكلمون بما عندهم، بل روح الأب هو الذى يتكلم فيهم () وقد أعطى لهم معرفة أسرار ملكوت السماوات () " ومن آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن. وهذه الآيات تتبع المؤمنين يخرجون الشياطين باسم المسيح ويتكلمون بألسنة جديدة" ()

وبدهى والحال كذلك أن تلحظ عدم المبالاة بالكتاب المقدس، وأن تحظر المناقشة الحرة لآراء البابوات، ويؤمر الناس بالإيمان الأعمى بالأشياء التى لا يستطيعون فهمها () ولأن المسيحيين الأول كانوا يهودا أو رومانيين، وللوثنية والعصبية والاستعلاء فى جذور الثقافتين محل فسيح فقد صبغ القائمون على أمر الكنيسة المسيحيين بهذه الصبغ، لذا لم يكن عجيباً أن يقال إن إيزيس هى الباب الذى دلف منه المسيحيون فى هدوء إلى العذراء مريم، إذ " انتقل القانتون من عبادة إيزيس إلى عبادة أم أخرى هى أم المسيح " ().

المطلب الثالث

قسطنطين ومسيحية بولس

وجد قسطنطين ضالته فى مسيحية بولس التى لا تلزمه بدستور ولا قانون، وتكفل له ديكتاتورية الحكم والتسلط فاعتنقها وجعلها دين الدولة الرسمى.

ولأنه لم يؤمن بها اعتقادا، ولكن وسيلة إلى الملك والحكم فإنه – وبمعونة رجال الدين أنفسهم – مسخها مسخا بالوثنية الرومانية، وبدلا من أن تكون طريقا للإصلاح غدت طريقا للعذابات والآلام.

يقول الأستاذ " درابر " " إن هذا الإمبراطور الذى كان عبدا للدنيا، والذى لم تكن عقائده الدينية تساوى شيئا، رأى لمصلحته الشخصية، ولمصلحة الحزبين المتنافسين – النصرانى والوثنى – أن يوحدهما ويؤلف بينهما، حتى إن النصارى الراسخين لم ينكروا عليه هذه الخطة، ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طمست ولقحت بالعقائد الوثنية القديمة، وسيخلص الدين النصرانى عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها " ().

وتحت تأثير من تعاليم الزهد، وانفصال الدين عن السياسة التى كرسها القديس بولس ومن بعده فإن " المؤسسة الدينية الجديدة لم تشعر أن عليها إيجاد نظام سياسى جديد كلية، فما فعلوه هو تعميد القانون والمؤسسات الرومانية القديمة لذا بقيت السياسة مجالا منفصلا " ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير