، يقول: "القومية ليست إيقاظ الشعور بالذات لدى الأمم إنها تخترع الأمم حيث لا تكون موجودة " ().
ولا شك أن الدراسات المتعلقة بالقانون الرومانى قد تأثرت بالمضمون السياسى الذى نشأت فيه، وبهذا فرضت نماذجها الخاصة بشكل قوى على فهم الماضى.
ولا يعنى هذا أننا نتنكر لوجود قانون رومانى، ولا لعبقرية الرومان وسلفهم الإغريق، ولا لتأثير القانون الرومانى بل المدنية اليونانية فى المدنية الغربية الحاضرة، فالأخيرة – كما يقول الأستاذ الندوى – سليلة الحضارتين اليونانية والرومية، انطبعت فيها ميولهما ونزعاتهما وخصائصهما، بل انحدرت إليها فى الدم ().
وإنما قدمنا بهذا التحفظ لأن الذى يزعمه القوم فى أثر مدونة جوستنيان ينفر منه الذوق السليم.
يقول الأستاذ توبى هاف إن الغرب فى التاريخ السابق على القرن الثانى عشر – كان يفتقر إلى تصور عن القانون بأحكامه وأفكاره ولم تكن هناك مدارس للقانون ولا نصوص قانونية تتعامل مع التحقيقات القانونية، فالتشريع والإجراءات والجريمة والعقود والملكية وسائر الموضوعات التى تشكل بنية الأنساق القانونية لا وجود لها، ولم تكن هناك نظريات منظورة للقانون أو العلاقة بين القانون الدينى والطبيعى أو صلة الكنسى بالعلمانى، بين القانون النافذ وأحكام العرف أو الأشكال المختلفة للقانون العلمانى الإقطاعى والمدنى والحضرى.
وربما كان أكبر محرك لتطوير هذه الأنساق إلى العصر الحديث هو اكتشاف مخطوطة فى إيطاليا تتضمن القانون المدنى الجاستيانى فى نهاية القرن الحادى
عشر … .. ومن ثم جذبت أنظارا كثيرة، ففى عام 1087م انهمك الرومانى الكبير أورنريس فى جامعة بولونيا فى التعليق عليها، وتدريس القانون المدنى
الرومانى ……. .
ولكن كان على المدونة أن تنتظر حتى عام 1140م لظهور كتاب جراتيان "الاتساق بين المدونات المتنافرة" حتى يصح أن يوصف بأنه قانون رومانى متسق، ويتضمن ميلاد العلم الجديد ثلاثة عناصر مختلفة هى: مبادئ قانونية للعمل بها، منهج جديد للتحليل، والمكان الذى تطبق فيه هذه الدراسات القانونية الجديدة ألا وهى الجامعات.
فإذا انتقلنا إلى القرون الحادى عشر والثانى عشر وأوائل القرن الثالث عشر وجدنا تحولا جذريا أثمر من بين ما أثمره تصورا لنسق قانونى على مستويات مختلفة من الاستقلال بأطرها المختلفة من الخبراء القانونيين، لقد حدث تغير عميق غير تماما من طبيعة القانون كنظام سياسى وتصور فكرى، وقد كان هذا التغير من الجدية والجذرية والمستويات الكاملة والبعيدة، بحيث يعد تطورا ثوريا فى التنظيم القانونى" ()
والأستاذ هاف يشير إلى ما سمى حركة بعث القانون الرومانى الأولى، والتى كان من أهم ثمراتها قيام مدرسة المحشين أو الشراح على المتون، التى أنجزت مجموعة من الحواشى، كان أهمها حاشية " أكيرس " التى ظلت عمادا للدراسات القانونية عدة قرون ()، وإليها تنسب نظرية الأحوال المعروفة فى دراسات تنازع القوانين ().
وقد تلت هذه المدرسة مدرسة المحشين اللاحقين التى ظهرت فى القرن الرابع عشر وزعيمها الفقيه الإيطالى بارتول (1317 – 1347) وعلى الرغم من أنه مات شابا إلا أنه اكتسب شهرة جاوزت الآفاق، فهو – كما يشاع - كبير فقهاء هذا العهد من العصور الوسطى دون منازع *؛ ().
وتتميز هذه المدرسة بالعناية بالتطبيقات العملية التى تناسب المجتمع الذى تحيا فيه، وقد اضطرهم ذلك إلى تعديل بعض قواعد القانون الرومانى ().
وحرصا على نفى المؤثر العربى المباشر فى الثورة القانونية أو حركة بعث القانون الرومانى الأولى اطرد على لسان الغرب إبراز المنهج الانتقائى للترجمة، وأنها لم تنل الفقه الإسلامى بحال () بل حرص بعض رجاله على تكريس الزعم بأن الشرع الإسلامى قانون جامد غير متطور، يجافى العقل والمصلحة، جزئى لا كلى، محلى لا يرقى إلى العالمية، يفتقد المبادئ العامة والأساس الذى يقوم عليه التشريع ().
مناقشة
فى ردنا على المغالاة فى تقدير أثر المدونة على الثورة القانونية فى الغرب لابد أن نتذكر أن من سجايا القوم أنهم متكبرون بالوراثة عادتهم " بطر أو سفه الحق وغمط الناس " () إلا من رحم ربى.
¥