جـ – إخضاع المال لقانون موقعه.
د – اعتبار قانون مدينة الشخص فى أهليته ما لم يكن مستهجنا. ()
وبغير خوض فى تفاصيل كثيرة فإن العناية بالتطبيقات العملية نهج مالكى قح، فالإمام مالك وتلامذته – وهم فقهاء الأندلس وصقلية وقضاتهما – شديدو الاعتبار بعمل أهل المدينة، واعتبار المصالح ومراعاة الأصول فى الأقضية، وإن أدى ذلك إلى ترك العمل بالدليل الجزئى، كحديث ولوغ الكلب فى الإناء، وخيار المجلس، والمصراة، والتوسع فى سد الذرائع وغير ذلك ()
ومعلوم أن الفقه المالكى أحاط بأوروبا من جوانبها، حتى فتح الله القسطنطينية على الأتراك فمكن للمذهب الحنفى، وإن وجد فقه مدرسة الرأى طريقه إلى شرق أوربا قبل ذلك، وباعتراف الغربيين فإنه " أثر تأثيراً عميقاً فى جميع فروع القانون فى إقليم الكرج " جورجيا حالياً " وذلك خلال فترة تمتد من العام 1100 - 1500م" ()، كما أنه وجد طريقه إلى كثيرين من أهل صقلية، ودخل منه شيئ إلى الأندلس قديماً ().
ولم تأت المدرسة الإيطالية بجديد فى مسائل الإجراءات ().
وخضوع شكل العقد لقانون محل إبرامه، والمال لقانون الموقع من قبيل التطبيق للأحكام التى مدركها العوائد، والإمام مالك ? يقول " ما عده الناس بيعا فهو بيع " ().
والمسطور فى كتب المالكية " لو خرجنا نحن من ذلك البلد إلى بلد آخر عوائدهم على خلاف عادة البلد الذى كنا فيه أفتيناهم بعادة بلدهم، ولم نعتبر عادة البلد الذى كنا فيه، وكذلك إذا قدم علينا أحد من بلد عادته مضادة للبلد الذى نحن فيه لم نفته إلا بعادة بلده " ويقولون "جرى الأحكام التى مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة فى الدين " () وهى قاعدة من العموم بما يجاوز الحلول التى كشفت عنها المدرسة البولونية ببعيد جدا ().
وفى قوة الدليل وجدنا الفقه المالكى يعتمد ما أسماه " بينة الحال، لأن البينة من البيان، فكيف ما تبين الأمر فهو بينة كله " () وقد أفتوا أن غير المسلمون يحلفون حيث يعظمون مكانا وزمانا ().
أما الحل فى مسألة الأهلية فهو ينطق بالإسلام بألف لسان، ونص عبارة الدكتور عز الدين عبد الله " ذكر بارتول أن النصوص المانعة إما أن تتعلق بالأموال وإما أن تتعلق بالأشخاص، وأن هذه الأخيرة إما أن تكون مستحسنة كالأحوال التى يقصد بها حماية بعض الأشخاص كتحديد السن التى يجوز ببلوغها تصرف الشخص فى أمواله، وهذه تلحق الشخص خارج مدينته، وإما أن تكون مستهجنة كالأحوال التى تقرر عدم أهلية البنت للميراث، وهى لا تتبع الشخص خارج مدينته " ().
فإذا علمنا أن الأهلية عند الرومان لا تتوافر إلا لذى العائلة، الحر، الذكر، غير مجنون ولا معتوه، البالغ من العمر خمسة وعشرين عاماً، وهو وطنى، إذا عرفنا هذا بدا لنا القانون المستهجن، وبالنظر فى التطبيق الإسلامى فى الأندلس وغيرها تتكشف لنا العادات المستحسنة، ويدلك على أس هذا الحل هاتين الإشارتين الموجزتين:
أ- يقرر القاضى ابن عربى المالكى أن القاضى المسلم لا يمكن غير المسلمين من بعضهم فى المظالم التى لا تختلف فيها الشرائع () والقانون الذى يحرم البنت من الميراث () حتى فى حالة وجود ذكور فى طبقتها مستهجن () لا يليق الحكم به.
ب- وللإمام مالك مسألة تفرد فيها بالرأى، وتعرف بمسألة قسم ميراث الكفار، ونصها كما فى الشرح الكبير " وحكم بين غير المسلمين كتابيين أو غيرهم بحكم الإسلام فى المسلم، إن رضوا بأحكامنا ولم يأب بعضهم، وإلا لم نتعرض لهم، إلا أن يسلم بعض ورثة من مات كافرا، ويستمر الآخر على كفره ويأبى حكم الإسلام، وكذلك يحكم بينهم بحكم المسلم من غير اعتبار الآبى، لشرف المسلم.
هذا إن لم يكونوا كتابيين، وإلا بأن كانوا كتابيين وأسلم بعضهم بعد موت مورثه " فبحكمهم " أى نحكم بينهم بحكم مواريثهم، أى نقسم المال بينهم على حكم مواريثهم، بأن نسأل القسيس عمن يرث ومن لا يرث، وعن القدر الذى يورث عندهم ونحكم بينهم بذلك إلا أن يرضوا جميعا بحكمنا " ().
وقد علق الدسوقى عليه بأنه هو الراجح - فى المذهب - وشنع عليه الإمام ابن حزم الظاهرى () وتشنيعه علامة على أن هذا الرأى مما شاع وانتشر فى الأندلس.
¥