وغفل البابا " أنو سنت الثالث " أن " فردريك الثانى " تربى يتيما فى حجور المسلمين، وتتلمذ على أيديهم وكان متهما بالميل إلى عقيدتهم.
ولا تكاد الدراسات القانونية تذكر فردريك هذا فى عصر النهضة بعامة، والقانونية بخاصة، لما عرف عن هذا الإمبراطور من ميول إسلامية واضحة، حتى قيل إن قبره فتح عام 1876 فوجد مكفنا فى أردية إسلامية، وبجانبه سيفه فى غمده العربى، وعلى معطفه التاريخ الهجرى فقط ().
الغاية أن فردريك كانت له مشاركات فى الحروب الصليبية فى الشرق، فجمع إلى فقه مالك – المورث فى الأندلس وصقلية– فقه الأحناف وغيرهم فى سوريا، وكانت له - كما قيل – مناقشات مع وفود الملك الكامل الأيوبى تطرقت إلى تنظيم الدولة وإداراتها حسب الأنظمة العربية.
ومن هنا فإن فردريك لم يكتف بالإبقاء على النظم العربية المرعية من قبل النورمان، وإنما جاوز ذلك إلى مرحلة ما سمى بالتشريعات الثورية.
" وما كان يخرج به على الملأ من صقلية من مشروعات ثورية لم يكن سوى طراز حديث لمجتمع سياسى على الطراز الشرقى، إن فردريك كان عدوا لدودا للكنيسة والمدنية المؤسسة على النظام الكنسى التى كانت سائدة فى أوروبا" ().
والشئ الأهم كما يعترف المؤرخون أنه " فى هذا العهد حدث نشاط ملحوظ فى قلب ألمانيا من الناحية العقلية وغيرها، فقد تم فى هذا العهد تقنين القوانين، وفيه ظهرت لأول مرة الشانزبيجل، وهى أول مجموعة للقوانين الإمبراطورية والقوانين الإقليمية " ().
وشئ آخر أن فردريك هذا هو الذى أنشأ جامعة نابولى - وهى من المدارس الإيطالية ذات العناية الخاصة بالعلوم العربية - ومن مقتنياته أهديت إلى هذه الجامعة كتب الطب والفلسفة العربية () كما أهدى هو وابنه "مانفرد" مجموعة من المترجمات الفلسفية إلى جامعات بولونيا وباريس ()
وقد قاربت ولاية فردريك نصف القرن من الزمان، خطا فيها بأوروبا خطوات هائلة على كافة الأصعدة الإدارية والقانونية والاقتصادية والعلمية، وفى بلاطه درس وتعلم أعلام أوروبا () وعلى رأسهم توماس الأكوينى، وميخائيل سكوت () وغيرهما.
وفى عصره بزغ نجم ألبرت الكبير، وروبرت جرستيت، وروجر بيكون وغليوم الطرابلسى وآخرين، وقد أشرنا من قبل إلى المآثر القانونية ذات النزعة العربية لهؤلاء الأعلام.
وفى ظل إمبراطورية واسعة النفوذ على رأسها حكيم متهم بالميل إلى عقيدة مربيه المسلمين – ومات قتيلا – فى بلاطه هذه الكوكبة من علماء أفذاذ تعمل بصورة مشتركة فى جلسات يتباحث ويتجادل ويتناظر فيها مجموعة من العلماء المسلمين والمسيحيين واليهود () ومدارس وجامعات يديرها علماء منتقون، ومقرراتها مصنفات إسلامية ذات أهمية مدرسية عالية القيمة ().
وفى ظل نظام إدارى واقتصادى إسلامى خالص - لا يبعد أن يكون عماله مسلمين أو متنصرين - بعد الإسلام – أو مستعربين، وفى ظل عداء شديد للكنيسة والمؤسسات الكنسية، فى ظل هذا كله تصدر تشريعات ثورية، وأول مجموعة للقوانين الإمبراطورية والقوانين المحلية فهل يعقل أن يكون مصدرها كنسيا أو رومانيا.؟
صلات منابع النهضة القانونية بالإسلام والعرب:
على الرغم من التعتيم المقصود على دور المدارس والمدن ذات الصلة الوثيقة بالنظام والوعى والأعراف الإسلامية كطليطلة وبالرمو، وأكسفورد، فإن المدن التى قيل إنها شهدت حركة البعث الأولى كبادوا وبولونيا كانت على صلات جيدة بعطاء المسلمين، ويكفى أنها من مدن الشمال التى كانت لها صلات تجارية واسعة بالمسلمين، وقد حظيت بولونيا بدعم الإمبراطور فردريك الثانى وابنه كما ذكرنا، كما كانت جامعتها من بين خمس جامعات- هى جامعات: باريس، وأكسفورد، وسلمنك، و جامعة المدينة البابوية kurie وبولونيا - صادق مجمع فيينا الكنسى فى عام 1312م على تعليم اللغة العربية فيها ().
ولبادوا وبولونيا تاريخهما الثابت فى الاحتفاء بالفلسفة الرشدية، حتى قيل " إن بادوا بالرشدية أصبحت بمنزلة الحى اللاتينى للبندقية ()، على أن بولونيا تقع فى القلب من المدن والجمهوريات التى احتفت بالعلوم العربية، ففى الشرق منها تقع رافنا، وفى الشمال الشرقى تقع بادوا، وفى جنوبيها فلورنسة، وفى غربيها جنوة ونيس حيث الإمارات العربية.
ومع هذا فإن ثمة شهادتين تثيران الانتباه:
¥